منذ حوالي ساعة
احذر حبائلَ الشيطان وطرقه ومكائده، كأن يقول لك: إن حججتَ هذا العام، تفرقت أيام إجازتك – لا تحج حتى تقلع عن كل ذنب، أو أجِّلْ حَجَّك حتى تكبَر سنُّك..
هبَّت نسائم الرَّحَمات، واشتاقت للقاء الأنفس الطاهرات، وصافحت النسائم أفئدة المؤمنين والمؤمنات، وتعلَّقت أنفسهم بجزيل الأُعْطِيَاتِ والْمَثُوبات، مُترقِّبةً يوم الْمَكْرُمات، يوم الوقوف بعرفات، في يوم المباهاة وغفران الذنوب والزَّلَّات، بعد أن يَمَّمتِ القَصْدَ لبيت ربِّ البريَّات، مستجيبة لدعاء إبراهيم أبي الأنبياء والرسل عليهم أتم السلام والصلوات؛ حين أمره الله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [الحج: 27].
نداء وموقف عظيم، وأمر من الله العليِّ العظيم الذي شرع الدين وكمَّله ويسَّره وسهَّله، وما جعل لعباده في الدين من حرجٍ، أوجب على المستطيع من عباده الحَجَّ؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 97]، وأوجبه على لسان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم؛ ففي حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم: ((بُنِيَ الإسلام على خمس: وذكر منها حَجَّ البيت)).
أوجب الله الحج على العباد مرة واحدة في العمر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطب بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحَجَّ فحُجُّوا» ، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلتُ: «نَعَم، لَوَجبت، ولَما استطعتم».
وَعَدَ بالأجر الجزيل من حَجَّ بلا رَفَثٍ ولا فسوق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يفسُق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».
قال الإمام الزهري رحمه الله: “والرَّفَث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة“.
جعل الله جزاءَ الحج المبرور الجنةَ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
جعل الله متابعة الحج والعمرة نافيةً للفقر والذنوب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد والذهب».
واستمع لخبر عمرو بن العاص وهو في سياق الموت بكى طويلًا وقال: ((لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: ابسُط يمينك أبايعك، فبسط يمينه قال: «ما لك يا عمرو» ؟ قال: قلت: أردت أن أشترطَ، فقال عليه السلام: «تشترط ماذا» ؟ قال: فقلت: أن يغفر الله لي، قال عليه السلام: «أمَا علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، والهجرة تهدم ما كان قبلها، والحج يهدم ما كان قبله» ؟)).
ثم إن الحُجَّاج والمعتمرين هم وفد الله؛ فعن جابر رضي الله عنه: ((الحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)).
ولأعمال الحج فضائلُ خاصة؛ فالطواف بالبيت، وصلاة الركعتين بعده كعتق رقبة، ومُسْتَلِمُ الحجر تُحَطُّ خطاياه، وقد حظِيَ الْمُحَلِّقون بعد النُّسُك بالدعاء لهم بالمغفرة ثلاثًا، وللمقصرين مرة.
وكذا فضيلة الصلاة في البيت الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه؛ كما عند الإمام أحمد، وابن ماجه، من حديث جابر، فخيرُ هذا من الفضائل الكثيرة.
أيها المبارك: فضل كبير، وواجب عظيم، فهل أدَّيتَ ما افترض الله عليك؟ لا تحرم نفسك وقد وهبك الله مالًا، وصحح لك جسدًا، وأمَّن لك طريقًا، وسهل لك للجنة طريقًا، فانفض غبار العجز والكسل، واستعِنْ بالله ولا تعجز.
أيها المبارك: احذر “سوف”؛ فهي جالبة لكل بلاء، مُسبِّبة لكل شقاء، مُبْعِدة عن مسلك السعداء والأتقياء؛ وتأمل كلام حبيبك الذي يرويه ابن عباس: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك».
أيها المبارك: احذر حبائلَ الشيطان وطرقه ومكائده، كأن يقول لك: إن حججتَ هذا العام، تفرقت أيام إجازتك، وفاتك الأنس مع رفاقك وفي العمر مديد، وانتظر للسنة المقبلة، حتى وُجِدَ من في الثلاثين والأربعين من عمره ولم يحج، احذر حبائل الشيطان كأن يقول: لا تحج حتى تقلع عن كل ذنب، أو أجِّلْ حَجَّك حتى تكبَر سنُّك، ويكمل عقلك، قل أأنتم أعلم من الله، فالله قد افترض الحج على العبد عند البلوغ، والله أمر بالمسارعة للخيرات على سبيل العموم: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعجَّلوا إلى الحج؛ فإن أحدكم لا يدري ما يَعْرِض له»؛ (رواه أحمد)، احذر الاعتذار بالزحام، وحرارة الجو، وكثرة المشقة، فهي واجبة في العمر مرة، ولا تتبع خطوات الشيطان فتهلكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [النور: 21].
أخي إن حَجَجْتَ، فاحمَدِ الله، وإن وجدت جِدَةً وصحة، فلا تحرم نفسك؛ فالحج من أعظم وأجَلِّ القُرُبات.
أيها الزوج المبارك، ألم تعلم أن تحجيجك لزوجك من أعظم المعاشرة بالمعروف، وخياركم خياركم لأهله؟ أيها الأب المبارك، ينبغي عليك إعانة ولدك على الحج حتى تكتمل شرائع الدين، وما أجمل أن تكون في صحيفتك حِجَّتُك وحِجَجُ أولادِكَ؟
أخي، إن تحققت فيك شروط الحج؛ وهي الإسلام، والبلوغ، والعقل، والاستطاعة؛ وهي صحة في بدنٍ، وزادٌ وراحلة مناسبتان لمثلك، فاتَّقِ الله، وأدِّ ما أوجب الله عليك، ولا تكن نفقة الحج عليك أثقل من سفراتك المتتابعة، وكماليات كثيرة؛ أَوَما سمعت قول عمر رضي الله عنه: “لقد هممتُ أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار، فينظر من كان له جدة ولم يحُجَّ، فليضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين”؟ يا من أخَّرتَ الحج، ماذا ستقول لربك لو فاتك الحج؟ وبِمَ ستعتذر؟
اللهم اجعلنا معظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا معظِّمين لِما نهيتَ عنه منتهين عنه، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
______________________________________________
الكاتب: الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
Source link