فهذا مختصر لكتيب: (الأسباب المفيدة في اكتساب الأخلاق الحميدة) للشيخ د.محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد حفظه الله تعالى
الحمد لله العليم الحكيم، والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا مختصر لكتيب: (الأسباب المفيدة في اكتساب الأخلاق الحميدة) للشيخ د.محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد حفظه الله تعالى، والكتيب يقع في 59 صفحة وهو من إصدار دار ابن خزيمة، ومن أراد الاستزادة والتوسع فعليه بالأصل، والآن مع المادة المختَصَرة:
لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرا ولا مستحيلا، بل إن هناك أسبابا عديدة، ووسائل متنوعة يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق، ومن ذلك ما يلي:
- سلامة العقيدة: فشأن العقيدة عظيم، وأمرها جلل؛ فالسلوك- في الغالب- ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر، وما يعتقده من معتقد، وما يدين به من دين، والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في المعتقد، ثم إن العقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا؛ فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعا لذلك.
- الدعاء: فالدعاء باب عظيم، فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات، وانهالت عليه البركات، فمن رغب بالتحلي بمكارم الأخلاق، ورغب بالتخلي من مساوئ الأخلاق- فليلجأ إلى ربه، وليرفع إليه أكف الضراعة؛ ليرزقه حسن الخلق، ويصرف عنه سيئه.
- المجاهدة: فالمجاهدة تنفع كثيرا في هذا الباب؛ ذلك أن الخلق الحسن نوع من الهداية يحصل عليه المرء بالمجاهدة، قال عز وجل: {{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}} [العنكبوت:69]، فمن جاهد نفسه على التحلي بالفضائل، وجاهدها على التخلي من الرذئل حصل له خير كثير، واندفع عنه شر مستطير؛ فالأخلاق منها ما هو غريزي فطري، ومنها ما هو اكتسابي يأتي بالدربة والممارسة.
- التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق: فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها- من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها.
- النظر في عواقب سوء الخلق: وذلك بتأمل ما يجلبه سوء الخلق من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها.
- الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلي بمساوئ الأخلاق ظن أن ذلك الأمر ضربة لازب لا تزول، وأنه وصمة عار لا تنمحي، وهناك من إذا حاول التخلص من عيوبه مرة أو أكثر فلم يفلح- أيس من إصلاح نفسه، وترك المحاولة إلى غير رجعة.
- علو الهمة: فعلو الهمة يستلزم الجد، والإباء، ونشدان المعالي، وتطلاب الكمال، والترفع عن الدنايا، والصغائر، ومحقرات الأمور، والهمة العالية لا تزال بصاحبها تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى ترفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد.
- الصبر: فالصبر من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن؛ فالصبر يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة.
- العفة: فهي تحمل على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل، وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير، وتمنع من الفحشاء، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة.
- الشجاعة: فهي تحمل على عزة النفس، وإباءة الضيم، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى الذي هو شجاعة النفس، وقوّتها على إخراج المحبوب ومفارقته، وهي تحمل صاحبها على كظم الغيظ، والحلم؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزق والطيش.
- العدل: فهو يحمل على اعتدال الأخلاق، وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط؛ فيحمل على خلق الجود الذي هو توسط بين البخل والإسراف، وعلى خلق التواضع الذي هو توسط بين الذلة والكبر، وعلى خلق الشجاعة الذي هو توسط بين الجبن والتهور، وعلى خلق الحلم الذي هو توسط بين الغضب، والمهانة وسقوط النفس.
- تكلّف البشر والطلاقة، وتجنّب العبوس والتقطيب: قال ابن حبان رحمه الله: البشاشة إدام العلماء، وسجية الحكماء؛ لأن البشر يطفئ نار المعاندة، ويحرق هيجان المباغضة، وفيه تحصين من الباغي، ومنجاة من الساعي.
- التغاضي والتغافل: فذلك من أخلاق الأكابر والعظماء، وهو مما يعين على استبقاء المودة واستجلابها، وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة.
- الحلم: فالحلم من أشرف الأخلاق، وأحقها بذوي الألباب؛ لما فيه من سلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب الحمد، وحدُّ الحلم ضبط النفس عند هيجان الغضب، وليس من شرط الحلم ألا يغضب الحليم، وإنما إذا ثار به الغضب عند هجوم دواعيه كفّ سورته بحزمه، وأطفأ ثائرته بحلمه.
- الإعراض عن الجاهلين: فمن أعرض عن الجاهلين حمى عرضه، وأراح نفسه، وسلم من سماع ما يؤذيه، قال عز وجل: {{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}} [الأعراف: 199].
- الترفع عن السباب: فذلك من شرف النفس، وعلوّ الهمة، كما قالت الحكماء: شرف النفس أن تحمل المكاره كما تحمل المكارم.
- نسيان الأذية: وذلك بأن تنسى أذية من نالك بسوء؛ ليصفو قلبك له، ولا تستوحش منه؛ فمن تذكّر إساءة إخوانه لم تصف له مودتهم، ومن تذكر إساءة الناس إليه لم يطب له العيش معهم؛ فانس ما استطعت النسيان.
- العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان: فهذا سبب لعلو المنزلة، ورفعة الدرجة، وفيه من الطمأنينة، والسكينة، والحلاوة، وشرف النفس، وعزها، وترفعها عن تشفيها بالانتقام- ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
- السخاء: فالسخاء محبة ومحمدة، كما أن البخل مذمة ومبغضة، فالسخاء يجلب المودة، وينفي العداوة، ويكسب الذكر الجميل، ويخفي العيوب والمساوئ.
- نسيان المعروف والإحسان إلى الناس: وهذه مرتبة عالية، ومنزلة رفيعة، وهي أن تنسى ما يصدر منك من إحسان، حتى كأنه لم يصدر.
- الرضا بالقليل من الناس، وترك مطالبتهم بالمثل: وذلك بأن يأخذ منهم ما سهل عليهم، وطوّعت له به أنفسهم سماحة واختيارا، وألا يحملهم على العنت والمشقة.
- احتساب الأجر عند الله- عز وجل-: فهذا الأمر من أعظم ما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، فهو مما يعين على الصبر، والمجاهدة، وتحمل أذى الناس؛ فإذا أيقن المسلم أن الله- عز وجلّ- سيجزيه على حسن خلقه ومجاهدته لنفسه- فإنه سيحرص على اكتساب محاسن الأخلاق، وسيهون عليه ما يلقاه في ذلك السبيل.
- تجنّب الغضب: لأن الغضب جمرة تتقد في القلب، وتدعو إلى السطوة والانتقام والتشفي.
- تجنب الجدال: لأن الجدال يذكي العداوة، ويورث الشقاق، ويقود إلى الكذب، ويدعو إلى التشفي من الآخرين. .. ثم إن اضطر إلى الجدال فليكن جدالا هادئا يراد به الوصول إلى الحق، وليكن بالتي هي أحسن وأرفق، قال تعالى: {{ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }} [النحل: 125].
- التواصي بحسن الخلق: وذلك ببث فضائل حسن الخلق، وبالتحذير من مساوئ الأخلاق، وبنصح المبتلين بسوء الخلق، وبتشجيع حسني الأخلاق، فحسن الخلق من الحق، والله تبارك وتعالى يقول: { { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}} [العصر:3].
- قبول النصح الهادف، والنقد البناء: فهذا مما يعين على اكتساب الأخلاق الفاضلة، ومما يبعث على التخلي عن الأخلاق الساقطة.
- قيام المرء بما يسند إليه من عمل على أتم وجه: حتى يسلم بذلك من التوبيخ، والتقريع، ومن ذل الاعتذار، ومن تكدر النفس، واعتلال الأخلاق.
- التسليم بالخطأ إذا وقع، والحذر من تسويغه: فذلك آية حسن الخلق، وعنوان علو الهمة، ثم إن فيه سلامة من الكذب، ومن الشقاق؛ فالتسليم بالخطأ فضيلة ترفع قدر صاحبها.
- لزوم الرفق: قال عليه الصلاة والسلام: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”.
- لزوم التواضع: فالتواضع في حقيقته هو بذل الاحترام، والعطف، والمجاملة لمن يستحق ذلك.
- استعمال المداراة: فالناس خلقوا للاجتماع لا للعزلة، وللتعارف لا للتناكر، وللتعاون لا لينفرد كل واحد بمرافق حياته.
- لزوم الصدق: فإن للصدق آثارا حميدة، وعوائد عديدة؛ فالصدق حسنة تنساق بصاحبها إلى الحسنات، فهو دليل على حسن السيرة، ونقاء السريرة، وسمو الهمة، ورجحان العقل.
- تجنّب كثرة اللوم والتعنيف على من أساء: فلا يحسن بالعاقل أن يسرف في لوم من أساء، خصوصا إذا كان المسيء جاهلا، أو كان ممن يندر وقوع الإساءة منه؛ فكثرة اللوم مدعاة للغضب، وغلظ الطبع.
- تجنب الوقيعة في الناس: فالوقيعة في الناس، والتعرض لعيوبهم ومغامزهم- مما يورث العدواة، ويشوش على القلب، فتسوء الأخلاق تبعا لذلك.
- أن يضع المرء نفسه موضع خصمه: فهذا يدعو لالتماس المعاذير، والكف عن إنفاذ الغضب، والبعد عن إساءة الظن.
- أن يتخذ الناس مرآة لنفسه: فهذا مما يحسن بالمرء فعله، والأخذ به، فكل ما كرهه، ونفر عنه من قول، أو فعل، أو خلق- فليتجنّبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله.
- مصاحبة الأخيار وأهل الأخلاق الفاضلة: فهذا الأمر من أعظم ما يربي على مكارم الأخلاق، وعلى رسوخها في النفس؛ فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه.
- الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات: فإذا اختلف المرء إلى هؤلاء، وأكثر من لقائهم وزيارتهم- ولو لم يصاحبهم باستمرار- تخلّق بأخلاقهم، وقبس من سمتهم ودلّهم.
- وبالجملة أن ينتفع الإنسان بكل من خالطه وصاحبه: فصاحب البصيرة النافذة، والهمة العالية ينتفع بكل من خالطه وصاحبه، من كامل، وناقص، وسيّىء الخلق وحسنه، وعديم المروءة، وغزيرها.
- توطين النفس على الاعتدال حال السراء والضراء: فيحسن بالعاقل الذي يروم نيل المعالي، واكتساب الفضائل أن يوطن نفسه على الاعتدال حال السراء والضراء.
- معرفة أحوال الناس، ومراعاة عقولهم، ومعاملتهم بمقتضى ذلك: فهذا الأمر دليل على جودة النظر في سياسة الأمور، وعلى حسن التصرف في تقدير وسائل الخير، وهو مما يعين على اكتساب الأخلاق الرفيعة، وعلى استبقاء المودة في قلوب الناس.
- مراعاة أدب المحادثة والمجالسة: فذلك مما يزرع المودة، وينمي الأخلاق الفاضلة.
Source link