جعل الله الليل والنهار خلفة ليذكره الناس وليشكروه، ولو جعل الليل سرمدا أو النهار سرمدا لمل الناس الحياة، فجعل الليل سكنًا وراحة للخلق، والنهار معاشًا لهم يعيشون فيه…”
أولا: تمهيد:
جعل الله الليل والنهار خلفة ليذكره الناس وليشكروه، ولو جعل الليل سرمدا أو النهار سرمدا لمل الناس الحياة، فجعل الليل سكنًا وراحة للخلق، والنهار معاشًا لهم يعيشون فيه، وجعلهما آيتين من آيات ربوبيته ووحدانيته مسخرين؛ لينظر العاقل كيف جعل الله الليل سكنًا ولباسًا، يغشى العالم فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس، وتستريح من كد السعي والتعب، وبما أن الشريعة شاملة فقد ذكرت آدابا وسننا متعلقة بالليل واليوم، وسأذكر هنا ما قل العمل به.
ثانيا: السنن المتعلقة بالليل والنوم:
كف الصبيان عن الخروج أول الليل وإغلاق الأبواب وتغطية الآنية، وإطفاء السراج في الليل:
عن جابر رضي الله عنه، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَحُلُّوهُمْ، فَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ»[1].
نفض الفراش قبل النوم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ»[2].
النفث في اليدين بالإخلاص والمعوذتين قبل النوم:
عن عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا: قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ»[3].
قراءة سورة الإخلاص في الليل:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ» ؟ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «اللهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ»[4].
قراءة سورة الكافرون قبل النوم بعد الأذكار:
عن فروة بن نوفل، عن أبيه رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِنَوْفَلٍ: «اقْرَأْ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا؛ فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ»[5].
قراءة آخر سورة آل عمران عند القيام من النوم والنظر إلى السماء:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} – حَتَّى بَلَغَ – {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ قَامَ فَخَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى»[6].
قال النووي رحمه الله: «فيه أنه يستحب قراءتها عند الاستيقاظ في الليل، مع النظر إلى السماء؛ لما في ذلك من عظيم التدبر، وإذا تكرر نومه واستيقاظه وخروجه، استحب تكريره قراءة هذه الآيات كما ذكر في الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم»[7].
مسحُ الوجه عند الاستيقاظ من النوم:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ خَالَتُهُ، فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ، وَاضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلُهُ فِي طُولِهَا، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الْآيَاتِ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ…»[8].
ثالثا: تعريف السفر
أ- السفر لغة:
السفر لغة: قطع المسافة، والجمع الأسفار،وسمي السفر سفرا لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم فيظهر ما كان خافيا منها[9].
ب- السفر في الاصطلاح:
السفر في الاصطلاح: السفر هو الخروج على قصد قطع مسافة القصر الشرعية فما فوقها[10].
رابعا: السنن المتعلقة بالسفر
التأمير في السفر للثلاثة فما فوق:
عن أبي هريرة رضي الله عنهأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ»[11].
قال البغوي رحمه الله[12]: «لأنهم إذا صدروا عن رأي واحد يكون ذلك أبعد من وقوع الاختلاف بينهم»[13].
تكبير المسافر إذا علا شرفًا وتسبيحه إذا هبط واديًا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا»[14][15].
المراد بالصعود: العلو على المكان المرتفع، والتكبير يناسب الصعود، فيكون المعنى أنه أكبر من كل عظيم، فإذا نزل سبح فنزه الله عن كل نقص.
[1] صحيح البخاري (7/ 111) حديث رقم: (5623)، كتاب الأشربة، باب: تغطية الإناء، صحيح مسلم (6/ 106) حديث رقم: (2012)، كتاب الأشربة، – باب: الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها. وإطفاء السراج والنار عند النوم. وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب.
[2] صحيح البخاري (8/ 70) حديث رقم (6320)، كتاب الدعوات، باب: التعوذ والقراءة عند النوم، صحيح مسلم (8/ 97) حديث رقم (2714)، كتاب الذكر والدعاء، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.
[3] صحيح البخاري (6/ 190) حديث رقم (5017)، كتاب فضائل القرآن، باب: فضل المعوذات.
[4] صحيح البخاري (6/ 189) حديث رقم (5015)، كتاب فضائل القرآن، باب: فضل: {قل هو الله أحد}.
[5] سنن أبي داود (4/ 313) حديث رقم (5055)، كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم، سنن الترمذي (5/ 408) حديث رقم (3403)، كتاب الأدب، باب الدعوات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 257).
[6] صحيح مسلم (1/ 152) حديث رقم: (256)، كتاب الطهارة، باب السواك.
[7]النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (3/ 146)، الطبعة: الثانية، 1392، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت.
[8] صحيح البخاري (1/ 47) حديث رقم (183)، باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره، صحيح مسلم (1/ 526): (763)، كتاب الصلاة، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.
[9] انظر: ابن منظور: لسان العرب (4/ 368)، الطبعة: الثالثة – 1414 هـ، الناشر: دار صادر – بيروت، الأزهري، تهذيب اللغة (12/ 279): الطبعة: الأولى، 2001م، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت
[10] انظر: الجرجاني، التعريفات (ص119)، الطبعة: الأولى 1403هـ -1983م، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت -لبنان.
[11] سنن أبي داود (3/ 36) حديث رقم (2609)، كتاب الجهاد، باب في القوم يسافرون يؤمرون أحدهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 148).
[12] الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء، الملقب محيي السنة، أبو محمد البغوي، عالم بالتفسير والحديث والفقه وغيرها، وصنف التصانيف فيها، منها “معالم التنزيل” في التفسير، و”التهذيب” في الفقه، و”شرح السنة” في الحديث، قال عنه الذهبي: (كان محيي السنة من كبار أئمة المذهب، زاهدًا، ورعًا، متعبدًا، ألف كتاب “التهذيب” في المذهب فأتقنه، وصنف كتاب “شرح السنة”) توفي سنة 510هـ “. انظر مختصر العلو (281) وفيات الأعيان 1/ 182، طبقات السبكي 4/ 214”
[13] البغوي، شرح السنة للبغوي (11/ 23)، الطبعة: الثانية، 1403 هـ – 1983 م، الناشر: المكتب الإسلامي – دمشق، بيروت
[14] صحيح البخاري (4/ 57) حديث رقم (2993)، كتاب الجهاد، باب: التسبيح إذا هبط واديا.
[15] تكبيره عند إشرافه على الجبال استشعار لكبرياء الله عندما تقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء تعالى، وأما تسبيحه في بطون الأودية فهو مستنبط من قصة يونس ژ وتسبيحه في بطن الحوت…» انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 153).
_________________________________________________________
الكاتب: مشاري بن عبدالرحمن بن سعد العثمان
Source link