(عاقبة الظلم والظالمين – عقوبته في الآخرة – أنواع وصور من الظلم)
الظلم منبع الرذائل والموبقات، ومصدر الشرور والسيئات، الظلم متى ظهر في أُمَّةٍ أذن الله بهلاكها، ومتى شاع في بلدة حصلت أسباب زوالها.
والظلم معناه: مجاوزة الحدِّ والتعدِّي والتطاوُل على حقوق الآخرين، ووضع الشيء في غير موضعه، ولعظيم أمره فقد حرَّمَه الله جل في علاه على نفسه «يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرمًا، فلا تَظالموا»، وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44]، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وأمر سبحانه وتعالى بالقسط وإقامة العدل {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90]، {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
وحرَّم الله تعالى الظلم بين العباد؛ حفظًا لدينهم ودنياهم، ففي الحديث القدسي: «..وجعلتُه بينكم مُحرَّمًا فلا تظالموا»، «اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظُّلْمَ ظلماتٌ يومَ القيامة»، «المسلمُ أخو المسلم لا يظلمه»، وبيَّن سبحانه وتعالى أن الظلم سببٌ للبلاء وهلاك الأمم، {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} [يونس: 13]، {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45]،{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
فإذا انتشر الظلم، فإن العقاب يوشك أن يعُمَّ الجميع {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 25]، وفي الحديث: «إنَّ النَّاسَ إذا رأَوْا الظالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ».
عاقبة الظلم والظالمين:
أولًا: عقوبته في الدنيا:
• لا يحبُّه الله تعالى؛ {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 57].
• مصروف عن الهداية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
• محروم من الفلاح {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: 21].
• هو من أشرِّ الناس وأحقرهم.
كان يزيد بن حاتم يقول: ما هِبْتُ شيئًا قَطُّ هَيْبَتي من رجلٍ ظلمتُه وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك.
وبيَّن سبحانه وتعالى أنه ليس بغافل عنهم وأنه لهم بالمرصاد {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].
والظلم من المعاصي التي تُعجَّل عقوبتها؛ ففي سنن أبي داود: «ما من ذنبٍ أجدرُ أن يعجِّل اللهُ تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخِر له في الآخرةِ مثل البغيِ وقطيعةِ الرَّحِمِ»، وقد يُؤخِّر الله تعالى عقوبته استدراجًا له؛ عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله ليُمْلي للظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفْلِته» ، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]، ويكفيه شؤمًا أن دعوة المظلوم تُصيبه فلا تُخطئه، واسمع لهذه الأخبار:
• «..واتَّقِ دعوة المظلوم فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ».
• «ثلاثةٌ لا تُردُّ دعوتُهم: الصَّائمُ حتَّى يُفطِرَ، والإمامُ العادلُ، ودعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ فوق الغمامِ، وتُفتَّحُ لها أبواب السَّماءِ، ويقولُ الرَّبُّ: وعزَّتي لأنصُرنَّك ولو بعدَ حِيْنٍ»؛ (صحيح الترغيب والترهيب).
• حتى ولو كان فاجرًا: «دعوةُ المظلومِ مُستجابةٌ وإن كان فاجرًا، ففُجُورُه على نفسِه» ))؛ (رواه أحمد عن أبي هريرة).
والقصص في ذلك كثيرةٌ ونشاهدها ونراها ونحن نتابع أخبار وأحوال الظالمين في كل مكان وزمان.
ثانيًا: عقوبته في الآخرة:
أما عند الموت فقد وصف الله تعالى أحوالهم {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93].
وأما في عرصات القيامة فعليه لعنة الله تعالى لا تفارقه {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر: 52]، {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]، {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 44].
ويبعث يوم القيامة في ظلمات بعضها فوق بعض، في صحيح مسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ؛ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ».
ووصف الله تعالى أحوالهم فيها بأدق التفاصيل {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42- 43]، مع ما يصيبهم من الحسرة والندامة {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلً} ا ﴾ [الفرقان: 27]، فيتمنَّى الظالم لو أنه يفتدي بما في الأرض جميعًا {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس: 54] {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47].
والظالم محروم من شفاعة الشافعين {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]، وفي الحديث: «صِنفانِ من أمَّتي لا تنالهما شفاعتي: إمامٌ ظلومٌ غشومٌ، وكلُّ غالٍ مارِق»؛ (رواه الطبراني)، ويتخلَّى عنه الجميع، فليس له ظهير ولا نصير {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [البقرة: 270]، ومحروم من المغفرة إلا أن يشاء الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} [النساء: 168]، ويُبعَث مفلسًا من الحسنات يوم القيامة؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ» ؟))، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»، ثم إن مآله إلى جهنم وبئس المصير {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29]، {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 41]، {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55].
أنواع وصور من الظلم:
1- ظلم العبد فيما بينه وبين ربِّه سبحانه وتعالى، وله صور عديدة:
• بإنكار وجوده أو نسبة الخلق والتدبير لغيره.
• تعطيل صفاته وتحريفها لغير الوجه اللائق به.
• الكفر بالله تعالى والإشراك به سبحانه وتعالى، {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254]، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
• مضاهاة خلق الله تعالى، في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: ومَن أظلمُ ممَّن ذهب يخلق كخَلْقي، فليخلقوا ذرَّةً، أو ليخلقوا حبَّةً، أو ليخلقوا شعيرةً».
• التعدِّي على حدود الله تعالى وحرماته، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: 1]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229].
•الإعراض عن آيات الله تعالى وتعطيل أحكامها؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [الكهف: 57].
• الكذب على الله تعالى ورسوله {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [الأعراف: 37].
• الصد عن ذكر الله ومنع المساجد أن يُذكَر فيها اسمه {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: 114].
• ترك التحاكم إلى شرع الله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، فلن يحترم الناس حقوق الناس إلا إذا حكمنا شرع رب الناس {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
2- ظلم العبد لنفسه وأيضًا له صور، فمنها:
• ارتكاب الذنوب والمعاصي واتباع الشهوات {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32]، {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [البقرة: 57].
• ترك الفرائض والواجبات.
• التقتير وبخس النفس حقها، فالنفس لها حق: «إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ»، {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29]، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67].
3- ظلم العباد، وهذا من أخطر الأنواع على العبد، وله صور عديدة، فمنها:
أولًا:ظلم العباد في أموالهم بـ:
• أكل أموال الناس بالباطل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 30].
• أكل أموال اليتامى ظُلْمًا {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
• اغتصاب الأرض ظلمًا «مَن ظلمَ قيد شبر من الأرضِ طوَّقه من سبع أرضين»؛ (متفق عليه).
• الأيمان الكاذبة «مَن اقتطعَ حقَّ امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة»، فقال رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ فقال: «وإن قَضيبًا من أراكٍ»؛ (رواه مسلم).
• كتم الشهادة التي يترتب عليها هضم حقوق الآخرين {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 140].
• ظلم الأجراء والعمَّال؛ إما ببخس حقوقهم، أو تكليفهم بما لا يُطاق، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجلٌ أَعطَى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حُرًّا ثم أكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفَى منه ولم يُعْطِه أجره»؛ (رواه البخاري).
• بخس الناس أشياءهم في البيع والشراء.
• المماطلة في الدَّيْن وهو قادر، في الصحيحين عَنْ أَبي هُريرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ».
• المعاملة بالربا {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160، 161]؛ ولذلك قال تعالى لمن أراد التوبة من الربا: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].
• ومنها الرشوة والغش في المعاملات، والسرقة والنهب، وشهادة الزور، ومنع الزكاة والقمار والميسر والغلول.
ثانيًا: ظلم العباد في أبدانهم بـ:
• القتل وسفك الدماء {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]، ثم قال تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33].
• التعدي والضرب والإيذاء، روى الطبراني عن أبي هريرة: «مَن ضرَب سوطًا ظُلْمًا اقتُصَّ منه يومَ القيامة»، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ».
ثالثًا: الظلم الواقع في البيوت والأُسَر:
• ظلم الآباء لأولادهم بإهمال تربيتهم أو سوء معاملتهم.
• ظلم الأبناء لوالديهم بالعقوق والقسوة عليهم وعدم النفقة عليهم، وسوء الأدب معهم.
• ظلم الأزواج لزوجاتهم والعكس.
• ظلم النساء في المواريث.
رابعًا: ظلم العباد في دينهم بنشر الشهوات وبثِّ الشبهات،
وصدِّ الناس عن دينهم.
نسأل الله العظيم أن يُعيذنا من الظُّلْم.
__________________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي
Source link