الصدقة فضائل وآداب – محمود الدوسري

الإنفاق في سبيل الله تعالى من أعظم التحديات التي تواجه الإنسان؛ لِحُبِّه الشديد للمال، وحرصِه عليه: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: من أعظم وسائل تقوية التكافل الاجتماعي في الإسلام البذل والإنفاق، وقد حث الله سبحانه عليه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ} [البقرة: 254]. وبقوله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274].

 

والإنفاق في سبيل الله تعالى من أعظم التحديات التي تواجه الإنسان؛ لِحُبِّه الشديد للمال، وحرصِه عليه: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]؛ وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة المال بقوله: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ» (صحيح – رواه الترمذي).

وبعضهم أصبح عبداً للمال: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» (رواه البخاري). بَخِلَ بما أعطاه الله تعالى؛ ظانًّا أن ذلك خير له، ولم يُنصِت لقوله سبحانه: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180].

 

أيها الإخوة الكرام.. إن المال أمانةٌ عند العباد، وهم مستخلفون فيه: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} [الحديد: 7]. فهؤلاء هم الذين يُبارك الله لهم في أموالهم، ويُضاعف لهم الأجر في الآخرة: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245].

 

ومن أهم المعايير التي يُقاس بها إيمان المرءِ الصدقةُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ» (رواه مسلم). وهي تجارة عظيمة مع الله تعالى، وجهاد في سبيل الله بالمال، وفيها نجاة للعباد من العذاب الأليم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11].

 

ومَنْ أراد تنمية ماله فلينفق منه في سبيل الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] وفي الحديث القدسي: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» (رواه البخاري).

 

وما أنفقه العبد في سبيل الله تعالى هو الذي يجده أمامه يوم القيامة، وما يُبقيه في الأرصدة فهو مُلْكٌ للورثة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ. قَالَ: «فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ» (رواه البخاري).

 

والبعض يظن أنه هو المالك الحقيقي للمال، وهو ظن خاطئ؛ لأن المال مال الله تعالى ساقه إليك من حيث لا تحتسب، وجعلك مستخلفاً فيه: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]. وبالصدقة يدفع اللهُ تعالى البلاءَ عن العبد؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ» (حسن – رواه الطبراني في الكبير). والصدقة تُطفئ الخطيئة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ؛ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ» (صحيح – رواه الترمذي).

 

عباد الله.. للصدقة والإنفاق آداب:

فمن أهمِّها الإخلاص لله تعالى فيها، فعدم الإخلاص يُبطلها ويُحبط أجرها، والبعض يتصدق قاصداً للرياء والسُّمعة، والمباهاة والتفاخر، فهذا يُعاقب بأشد العقوبة يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ… فيقولُ: كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ… فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ. وَتَقُولُ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ: كَذَبْتَ. وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلاَنٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ» (صحيح – رواه الترمذي).

 

ومن آداب الصدقة المفروضة: تقديمُها على الصدقة المستحبة، وعدم تأخيرها عن وقتها، فإذا وجبت عليه زكاةٌ في ماله، أو زرعه، أو تجارته؛ وجب عليه أن يُخرجها في وقتها، وهي من أركان الإسلام، وأحبُّ ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى أداءُ الفرائض، فلا يؤخرها لغير عذر؛ لكي لا يتعرض لسخط الله تعالى.

 

ومن الآداب: عدم إبطال الصدقة بالمَنِّ والأذى، قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة: 264]. بل يرى أنَّ المِنَّة لله تعالى أولاً، إذْ أعطاه المالَ، وأنعم عليه، وخلَّصه من شُحِّ النفس، ثم إنَّ المؤمن العاقل؛ يرى أن المحتاج هو صاحب المِنة عليه، إذْ قَبِلَ منه صدقته، وأتاح له فرصة اكتساب الأجر والثواب من الله تعالى، وكان بعض الصالحين يقول: (واللهِ، إني لأرى الفقيرَ صاحب مِنةٍ عليَّ، ولولا أن الله عز وجل جعله يقبل صدقتي؛ لَحُرِمت الأجر والثواب من الله تعالى).

 

وعلى المُتصدِّق أن يُسِرَّ بصدقته ما استطاع، إلاَّ إذا كان في إعلانها مصلحة راجحة، قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271]. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم – أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلاَّ ظله: «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا؛ حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ» (رواه البخاري ومسلم).

 

ومن الآداب: أن تكون الصدقة من كسب طيب، أي: من مال حلال؛ فإن ذلك سبب في قبولها، ونماءِ أجرها؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ – وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ – إِلاَّ أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تَمْرَةً، فَتَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْجَبَلِ؛ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ» (رواه مسلم).

 

ومن الآداب: أن يتحرَّى بصدقته المحتاجين حقًّا، ولا يُعطيها لِمَنْ لا يعرف، فالزكاة الواجبة لا تصح إلاَّ لأهلها، وقد بيَّن الله تعالى أصناف المستحقين للزكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].

 

ومن آداب الصدقة: تقديم ذوي الرحم إن كانوا من ذوي الحاجة، ولا يوجد مَنْ يصلهم بالمال، فحقُّهم أعظم من حق غيرهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» (صحيح – رواه الترمذي والنسائي). وكلما زادت درجة القرابة؛ كلما زاد أجر المتصدق على صدقته.

 

الحمد لله.. ومن آداب الصدقة:

عدم الرجوع فيها، فلا يجوز استردادها مِمَّنْ أخذها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ؛ كَمَثَلِ الْكَلْبِ، يَقِيءُ ثُمَّ يَأْكُلُ قَيْأَهُ».

 

ومن الآداب: أن يُقدِّم الجيد من المال في الصدقة، ولا يُقدِّم الرديء من الطعام، أو الخبيث من المال في الصدقة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]. وإن استطاع أن يتصدق بشيء مما يحبه؛ من مالٍ، وطعام، ولباس، ونحوه، فله أعظم الأجر من الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92].

 

ومن الآداب: أن يرى المُتصدِّقُ – حال صدقته – نِعمةَ الله عليه؛ إذ أغناه، ولم يحوجه إلى أخذ الصدقة؛ بل جعل يدَه هي العليا، وجعله هو المعطي، لا الآخذ، وهي نعمة عظيمة تستوجب الاجتهادَ في شكرها بطاعة الله تعالى، والإكثارَ من الصدقة، والعطف على الفقراء والمساكين، وذوي الحاجات.

 

ومن آداب الصدقة: أن يُخرج المال طيِّبةً به نفسه، فلا يكون كارهاً لذلك، فمن صفات المنافقين أنهم: {لا يُنفِقُونَ إِلاَّ َوَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54]. وأما المؤمنون فقد أثنى الله عز وجل عليهم بأن أعينهم تفيض دمعاً؛ حَزَناً ألاَّ يجدوا ما يُنفقون {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} [التوبة: 92].

 

ومن آداب الصدقة: أن تكون في وقت السعة، والصحة والعافية، والشباب، والحاجة، والخوف من الفقر، فقد جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ؛ قُلْتَ: لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ» (رواه البخاري ومسلم).


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء الهم والحزن – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة «اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والبُخْلِ والجُبْنِ، وضَلَعِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *