وإليكم مثالاً يحتذى في طلب العلم النافع والعمل به ، وبذله وتقديمه وتعليمه للناس ..
مثالاً نسوقه إليكم من سيرة الصحابية الجليلة( رفيدة بنت سعد الأسلمية) رضي الله عنها وأرضاها ..
عناصرُ الموضوع
=============
أولًا : أحد أحب الأعمال إلى الله نشر العلم النافع.
ثانيًا : لطيفة فقهية شرعية .
ثالثًا : رفيدة بنت سعد الأسلمية تعلم الناس الخير.
رابعًا : الاستعاذة بالله من العلم الذي لا ينفع .
المـــوضــــــــــوع
أيها الإخوة الكرام: ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الدنيا يوماً ، فلعنها ، ولعن كل ما فيها إلا ما كان في زاوية العبادة لله رب العالمين أو كان في زاوية العلم طلبا له أو تعليما له فقالَ عليه الصلاة والسلام :” « الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ، وَمَا وَالاَهُ، أَوْ عَالِمًا، أَوْ مُتَعَلِّمًا» .” ” (الطبراني وابن ماجة والترمذي وحسنه)
ونحن على أعتاب عام دراسي جديد ، وقد فتحت المدارس والمعاهد والجامعات أبوابها لطلبة العلم نود أن نقول :
إن أحد أحب الأعمال إلى الله تعالى أن تتعلم العلم وأن تعلمه غيرك ..
قال النبي عليه الصلاة والسلام ( «يَا أَبَا ذَرٍّ ! لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ ، وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ – عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ – خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ » ) [اخرجه ابن ماجة] .
ولا نقصد هنا بتعلم العلم الشرعي من حفظ للقرآن وتعلم للفقه وللأحكام الشرعية فقط بل إن كل علم نافع للناس، وكل علم يخدم الناس ، وكل علم يخفف من آلام الناس ، فطالبه محمود ، وسعيه عند الله تعالى مأجور ومشكور ..
أشهر إنسان في هذا العالم هو الذي تعلم العلم وعلمه..
يتردد ذكره بالخير بين جموع الملائكة في السموات وبين الإنس والجن والبهائم في الأرض وبين الطيور في الهواء وبين الحيتان في البحار والأنهار بالذكر الحسن له والدعاء له والاستغفار له ، وخطواته على الأرض خطوات مباركة ، أشهر إنسان في هذا العالم يتردد ذكره بالخير هو ذلك الساعي في طلب العلم النافع ، هو ذلك الذي تعلم العلم وعلمه..
فعَن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: “ «مَن سَلَكَ طَرِيْقَاَ يَبْتَغِي فِيْهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ طَرِيْقَاً إلى الجَنَّة؛ وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَاً بِما يَصْنَعُ؛ وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغفِرُ لهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حَتَّى الحِيْتَانُ في المَاءِ؛ وفَضْلُ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ على سَائِرِ الكَوَاكِبِ؛ وإنَّ العُلَماءِ وَرَثَةُ الأنبِيْاءِ؛ وإنَّ الأنبِيْاءَ لمْ يُوَرَثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ» ”.( أبو داود والترمذي وابن حبان بسند حسن).
وإليكم مثالاً يحتذى في طلب العلم النافع والعمل به ، وبذله وتقديمه وتعليمه للناس ..
مثالاً نسوقه إليكم من سيرة الصحابية الجليلة( رفيدة بنت سعد الأسلمية) رضي الله عنها وأرضاها ..
رفيدة بِنْتُ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ هي امرأة من نساء الأنصار ، من قبيلة أسلم ، بايعت رسول الله على الإسلام ، فأسلمت وحسن إسلامها ، وسعت رضي الله عنها مع اول أيام إسلامها فقامت لتعمل لدين الله عز وجل بما أوتيت من مال وجهد وعلم ..
فتعلمت القراءة وتعلمت الكتابة ، وطلبت العلم الذي ينفعها وينفع غيرها ، وأنفقت لذلك أموالاً تركها لها أبوها سعد الأسلمي ، وسعت رفيدة رضي الله عنها في تحصيل العلم النافع حتى تحصلت عليه..
رغبت ( رفيدة بنت سعد الأسلمية) في تعلم الطب ، وإسعاف المرضى ، ومداواة الجرحى ، ورعاية المصاب ، وتشخيص الداء ، ووصف الدواء ، وورثت رضي الله عنها مهارة مداواة المرضى من أبيها سعد الأسلمي إذ كان أبوها طبيباً ماهراً..
أول طبيبة في الإسلام (رفيدة بِنْتُ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ)
سخرت علمها ومالها وجهدها فجعلته في سبيل الله تخدم به المسلمين في السلم والحرب ..
شهدت رفيدة رضي الله عنها عدداً من الأسفار وحضرت عدداً من المشاهد والغزوات مع النبي عليه الصلاة والسلام ، فكانت تضرب لنفسها خيمة بالقرب من أرض المعركة فيما يعرف ب(المستشفى الميداني) في العصر الحديث ، وأطلق عليها رضي الله عنها لقب “الفدائية”، حيث كانت تشهد الغزوات ، فتقتحم أرض المعارك فتَلُمّ الشّعَثَ، وَتَقُومُ عَلَى الضّائِعِ وَاَلّذِي لَا أَحَدَ لَهُ ، وتنقل الجرحى إلى خيمتها فتقوم عليهم وتداويهم ..
وَفي غزوة الأحزاب كان لرفيدة الأسلمية رضي الله عنها خَيْمَةٌ فِي الْمَسْجِدِ النبوي ، يُجلب إليها المصاب والجريح ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أذن لها بذلك، فلما أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم في ذراعه طببته رفيدة ..
أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه لَمَّا أُصِيْبَ أَكْحَلُ سَعْد بن معاذ يوم الخندق فَثَقُلَ، حَوَّلُوْهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: رُفَيْدَةُ، تُدَاوِي الجَرْحَى. فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا مَرَّ بِهِ عند المساء يَقُوْلُ: يا سعد كَيْفَ أَمْسَيْتَ؟ وإذا مر به عند الصباح يقول ويا سعد كَيْفَ أَصْبَحْتَ؟.
فَيُخْبِرُهُ سعد رضي الله عنه بحاله حَتَّى كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي نَقَلَهُ قَوْمُهُ فِيْهَا، وَثَقُلَ، فَاحْتَمَلُوْهُ إِلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، إِلَى مَنَازِلِهِم.
ومن بين الغزوات التي خرجت فيها وشهدتها رفيدة الأسلمية غزوة خيبر وكانت في العام السابع من الهجرة..
خرجت تسعف المصاب وتداوي الجرحى ، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها يوم خيبر ، وغنم المسلمون من اليهود ما غنموا قسم لها رسول الله من الغنيمة فجعل لها سهم راجل تقديراً لها وإقراراً بأهمية دورها وعرفاناً بجميلها ..
اقتحمت رفيدة الأسلمية ابواب العلم النافع فتخصصت في مجال التمريض والطب بشجاعة لم يسبقها إليه امرأة من العرب ولا من العجم .. وبقيت على رأس قائمة الطبيبات تسبق نساء الغرب اللاتي لم يعرفن ولم يتخصصن في التمريض والتطبيب إلا قبل مائتي سنة فقط، حيث سبقتهم رفيدة بنت سعد الأسلمية بألف ومائتين من السنوات..
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول « خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ» ابن حبان. نقلت رفيدة الأسلمية علمها إلى نساء أخريات من المسلمات فعلمت وحدها سبعة من النساء الطب والتمريض في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم..
رضي الله عن رفيدة الأسلمية وعن جميع من تعلم العلم وعلّمه للناس ابتغاء وجه الله إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن العلم النافع الذي على المسلم أن يطلبه وأن يسعى في تحصيله، وتعليمه للناس بقي لنا أن نقول:
إن العلم النافع له دلالتان عظيمتان..
أما الدلالة الأولى: فهى أن العلم النافع يملأ قلب صاحبه إجلالاً وتعظيماً وخشية ومحبة لله رب العالمين وإلى ذلك أشارت الآية من سورة فاطر { ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَٰٓؤُا۟ ۗ ﴾}
أما الدلالة الثانية العلم النافع فهي: انشراح الصدر لعمل الصالحات وترك المنكرات سمعاً وطاعة لله رب العالمين ..
لكن لأن من سنة الله في خلقه سنة الاختلاف ( حق وباطل- وخير وشر).. كذلك من العلم ما ينفع، ومن العلم أيضاً ما يضر لا ينفع..
وهذا العلم الذي يضر ولا ينفع هو الذي استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ »
ذهب فلان فتعلم السحر يؤذي به الناس، هذا علم يضر ولا ينفع..
ذهب فلان فتعلم تقنية حديثة يتجسس بها على الناس .. هذا علم يضر ولا ينفع..
ذهب فلان فتعلم علماً من شأنه أن يفسد أخلاق الناس .. هذا علم يضر ولا ينفع.
ذهب فلان فتعلم علماً من شأنه أن يفسد عقول الناس .. هذا علم يضر ولا ينفع.
ذهب فلان فتعلم علماً من شأنه أن يهدد حياة الناس .. هذا علم يضر ولا ينفع.
هذا هو العلم الذي لا نطلبه ولا نسعى إليه لأنه يضر ولا ينفع، لأنه يفسد، لأنه يؤذي.. من أجل ذلك استعاذ منه النبي عليه الصلاة والسلام فقال:
« اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ الأربعِ ، مِن عِلمٍ لا ينفَعُ ، ومِن قَلبٍ لا يخشَعُ ، ومِن نَفسٍ لا تَشبعُ ، ومِن دُعاءٍ لا يُسمَعُ»
نسأل الله العظيم رب العرش أن يرزقنا العلم النافع، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا العمل الخالص لوجهه الكريم انه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
Source link