اليوم أظلهم في ظلي – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

لأهمية الأخوة والحب في الله وعظيم أجرها فقد تولَّى سبحانه وتعالى بنفسه يوم القيامة يوم العرض الأكبر نداء المُتحابِّين فيه ليكرمهم ويجزيهم أعظم الجزاء.

الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارًا، وصرفهم كيف شاء عزةً واقتدارًا، وأرسل الرسل إلى الناس إعذارًا منه وإنذارًا، فأتَمَّ بهم نعمته السابغة، وأقام بهم حُجَّته البالغة، فنصب الدليل، وأنار السبيل، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، فسبحان من أفاض على عباده النعمة، وكتب على نفسه الرحمة.

 

أحمده، والتوفيق للحمد من نعمه، وأشكره على مزيد فضله وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أُسِّست المِلَّة، ونُصِبت القِبْلة، ولأجلها جُرِّدت سيوف الجهاد، وبها أمر الله سبحانه جميع العباد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسلَه رحمةً للعالمين وقدوةً للمتقين، وبشيرًا ونذيرًا للخلق أجمعين، أمَدَّه بملائكته المُقرَّبين، وأيَّدَه بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين، أفضل مَنْ صَلَّى وصام وتعَبَّد لربِّه، وقام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام، أما بعد:

عباد الله، عندما تقسو القلوب، ويضعف الإيمان، وتتأجَّج الخلافات لأتفه الأمور، وعندما يحل التقاطع والهجران بين أفراد المجتمع، وتختفي الأُلْفة وتنعدم النصيحة، وعندما لا يجد المرء لذة العبادة ولا طعم الراحة ولا حلاوة للإيمان، وعندما يتصدَّع بنيان المجتمع وتظهر العصبيات الجاهلية، فتنشأ الأحقاد، وتنتشر الضغائن، وتغمط الحقوق، وتهمل الواجبات، وعندما تضعف قيم التراحُم والتعاوُن وبذل المعروف وتقديم النفع في حياة الناس، عندما يحدث ذلك كله؛ فاعلموا أن عبادة عظيمة قد تُرِكت، وخصلة من خصال الإيمان قد أُهْمِلت، ومنزلة من منازل السالكين قد ذهبت، وركيزة من ركائز المجتمع قد ضعفت، هذه العبادة هي الأخوة والحب في الله بين المسلمين في المجتمع المسلم، أخوة وحب ليس فيه مصلحة دنيوية، ولا منفعة شخصية، وليست على سبيل القرابة والنَّسَب؛ بل بين المسلمين جميعًا، والله سبحانه وتعالى قد أمر بها، وحَثَّ عليها، وأكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وجعل الإسلام لهذه الأخوة حقوقًا وواجبات وآدابًا ينبغي لكل مسلم أن يقوم بها، قال تعالى:  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}  [الحجرات: 10]، بها امتَنَّ الله على عباده فقال:  {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}  [آل عمران: 103]، ولأهميتها وعظيم أجرها فقد تولَّى سبحانه وتعالى بنفسه يوم القيامة يوم العرض الأكبر نداء المُتحابِّين فيه ليكرمهم ويجزيهم أعظم الجزاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «إنَّ الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أظِلُّهم في ظِلِّي يوم لا ظِلَّ إلَّا ظلِّي»؛ (رواه مسلم).

 

ولها منزلة عظيمة تَطَلَّع للوصول إليها الأنبياء والشهداء والصالحون، قال صلى الله عليه وسلم:  «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِن اللَّهِ تَعَالَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ، وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا، فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ، وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ، لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ، وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ»، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ:  {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}  [يونس: 62]))؛ (أخرجه أبو داود وصححه الألباني)

 بل جعل سبحانه وتعالى الأخوة وسيلة لاكتساب حلاوة الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»؛ (البخاري ومسلم)، فحلاوة الإيمان يجدها المرء عندما يحب إخوانه من حوله، وكم نحن بحاجة إلى هذا الإيمان في زمن تشعَّبَت به الهموم، وكثرت فيه المشاكل، وقَسَتْ فيه القلوب، وإن الحب في الله من طُرُق الإيمان الموصلة إلى رضوان الله وجَنَّته، وهي طريق المؤمنين وسبيلهم إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم:  «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا أَنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ»؛ (رواه مسلم).

 

أيها المؤمنون، هذه الأخوة بين المسلمين لا تقوم على أساس القرابة ولا العشيرة ولا القبيلة ولا المناطقية ولا الحزب ولا الطائفية والمذهبية ولا المصلحة والمنفعة، إنما أساسها الإيمان والتقوى والحب في الله، فمن كان مسلمًا تقيًّا وَرِعًا عليك أن تحبه وأن تقوم بواجبات الأخوة نحوه من أي بلاد كان، ومن أي أرض كان؛ لأن الله تعالى يقول:  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}  [الحجرات: 10]، عن أبي مالك الأشعري قال: “كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه هذه الآية:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}  [المائدة: 101]، قال: فنحن نسأله إذ قال: ((إنَّ لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيُّون والشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة))، قال: وفي ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه ورمى بيديه، ثم قال: حدثنا يا رسول الله عنهم، من هم؟ قال: فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم البِشر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هم عباد من عباد الله من بلدان شتى، وقبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها، ولا دنيا يتباذلون بها، يتحابُّون بروح الله، يجعل الله وجوههم نورًا، ويجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس، ولا يفزعون، ويخاف الناس ولا يخافون»؛ (رواه أحمد والحاكم وصحَّحه الذهبي).

 

يقول التابعي مالك بن دينار: “لم يبق من روح الدنيا إلا ثلاثة: لقاء الإخوان، والتهجُّـد بالقرآن، وبيت خالٍ يذكر الله فيــه..”، وقال الإمام الشافعيُّ –رحمه الله-: “أفضل الأعمال ثلاثة: ذكر الله تعالى، ومواساة الإخوان، وإنصاف الناس من نفسك…” وحتى لا يضيع الإيمان ونفقد حلاوته وحتى لا نفقد هذه الأخوة وتختفي ثمارها وتذهب بركتها في حياتنا ينبغي أن نحييها في قلوبنا ومعاملاتنا وسلوكنا تعَبُّدًا لله، وطلبًا لرضاه، وحفاظًا على مجتمعاتنا، ودفعًا لكثير من الأمراض والأوبئة الاجتماعية التي دَمَّرت الحضارات، وفكَّكت المجتمعات، وأوجدت الصراعات، وأوغرت الصدور بسبب دنيا فانية ولذة عابرة ومتاع زائل، وعلينا أن نقوم بحقوقها وآدابها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الحقوق: وهي حقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله، وهذه ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة”.

 

وإن أول هذه الحقوق سلامة الصدر، فلا يحمل المسلم على أخيه المسلم شحناء ولا بغضاء ولا حسدًا، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله:  «لا تحاسَدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابَروا، ولا يبع بعضُكم على بيعِ بَعض، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلِم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا – ويشير إلى صدرِه ثلاث مرَّات – بحسب امرِئٍ من الشَّرِّ أن يحقرَ أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرَام: دمُه ومالُه وعِرضُه»؛  (رواه مسلم) .

 

والله سبحانه وتعالى وصف عباده وهم يتضرعون إليه، فقال تعالى  {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}  [الحشر: 9- 10].

 

ومن حقوق الأخوة القيام بالواجبات الحياتية واليومية والمعاشية تجاه إخوانك المسلمين، قال صلى الله عليه وسلم:  «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ»؛ (البخاري ومسلم)، ومنها زيارة المسلم لأخيه المسلم وتفَقُّد أحواله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مرصدته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل لك عليه من نعمة تربّها عليه؟ فقال: لا غير أني أحببته في الله تعالى، فقال الملك: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحَبَّك كما أحببته فيه» “؛ (رواه مسلم).

ومن هذه الحقوق حُسْن الظَّنِّ بأخيك المسلم، وستر عيوبه، وتقديم النصح له، قال تعالى:  {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}  [الحجرات: 12]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم قال:  «يا معشر من آمن بلسانه ولَمَّا يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تَتَبَّع عوراتهم، تَتَبَّع الله عورته، ومَنْ تَتَبَّع الله عورته، يفضحه في جوف بيته»؛ (صحيح).

 

أيها المسلمون، ومن حقوق الأخوة تقديم النفع لهم بالمال والجهد، وإعانتهم بما تستطيع وقضاء حاجاتهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:  «قال الله تبارك وتعالى: وجبت محبتي للمتحابِّين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ»؛ (رواه أحمد، صحيح الجامع (4321))، وقال علي رضي الله عنه: “عشرون درهمًا أعطيها أخي في الله، أحبُّ إليَّ من أن أتصَدَّق بمائة درهم”.

 

ولقد كان الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُهْدِي له شيء قال: أخي فلان أحوج مني إليه، فبعث به إليه، فبعثه أخوه إلى آخر، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر، حتى يرجع إلى الأول.. وقال أبو سليمان الداراني: إني لألقم اللقمة أخًا من إخواني فأجد طعمها في حلقي.. قال اليزيديُّ: رأيت الخليل بن أحمد، فوجدته قاعدًا على طِنْفِسة، فأوسع لي، فكرهتُ التضييق عليه، فقال: إنَّه لا يضيق سَمُّ الخِياط على متحابَّيْنِ، ولا تسع الدنيا متباغضين.

 

ومن حقوق المسلم على أخيه المسلم ألَّا يهجره فوق ثلاثة أيام إذا تخاصما، فهذه فسحة من الوقت تكفي لبرود نار الغضب وزوال حمى الخلاف ثم يُحرِّم على كل منها أن يهجر أخاه بعد هذه المدة ويدخلا جميعًا في حيِّز الإثم ودائرة المعصية حتى إن أعمالهما لتحبس فلا تعرض على الله سبحانه لأجل ذلك، قال عليه الصلاة والسلام:  «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»؛ (ومسلم: 8/9)، وقال عليه الصلاة والسلام:  «تعرض الأعمال على الله تعالى كل يوم اثنين وخميس فيغفر لكل امرئ لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا»؛ (مسلم).

واليوم ماذا حَلَّ بالناس؟ لم يعد الهجر والتخاصم ثلاثة أيام أو أسبوعًا أو شهرًا؛ بل سنوات وربما العمر كله، فكيف سنلقى الله بمثل هذه الأخلاق، وبمثل هذا السلوك؟ ومن هذه الحقوق إيثار المسلم أخاه وتقديم مصلحته على مصالحه؛ لأنه يبتغي بذلك وجه الله وانظروا رحمكم الله إلى ذلك الضيف الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت رجل من الأنصار، فماذا كان موقفه وزوجته؟ لقد قدما للضيف طعامهما وطعام أولادهما، وناما بدون طعام حتى يشبع ضيف رسول الله، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «ضحك الله الليلة، أو عجب، من فعالكما، فأنزل الله» {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}  [الحشر: 9]؛ (صحيح البخاري)، ومن هذه الحقوق الدعاء له بظهر الغيب الدعاء لهم بظهر الغيب، قال صلى الله عليه وسلم: «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل»؛ (رواه مسلم 2733).

 

وإذا كنت ترغب في أن يكمل إيمانك ويستقيم إسلامك فأحِبَّ للمسلمين من حولك ما تحب لنفسك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»؛ (رواه البخاري ومسلم).

 

اللهُمَّ ألِّفَ على الخير بين قلوبنا، واجمع ما تفَرَّق من أمرنا، قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

عباد الله، عندما تختفي الأخوة والمحبة من حياة الناس فإنه يحل محلها التقاطع والهجران، ويظهر الحسد، وتمتلئ القلوب بالأحقاد والضغائن، وينعدم الإحساس بحقوق الآخرين، قال تعالى:  {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}  [ص: 21 – 23]، أيُّ أنانيةٍ هذه؟! وأيُّ أَثرةٍ هذه؟! يمتلكُ تسعًا وتسعين نعجةً، وبدلًا من أن يتنازلَ لأخيه، عن بعض نعاجه يريد منه أن يأخذ نعجةَ أخيه الوحيدة التي يمتلكها في هذه الحياة، وهكذا هي حياة كثير من الناس اليوم لا يتعامل مع إخوانه إلا وفق مصلحته وما تُمْليه عليه نفسه.

 

لقد جاء الإسلام ليُهذِّب النفوس ويُربِّيها، ويجعل من الحب والمودة والإخاء شعار المجتمع المسلم وسببًا لسعادته، فما أحوج الأمة اليوم أفرادًا وشعوبًا وحُكَّامًا ومحكومين إلى هذه الأخوة في زمن كثرت فيه المشاكل وتنوَّعت فيه الخلافات على مستوى القطر الواحد؛ بل وبين الدول مع بعضها البعض، بل حتى في المؤسسة الواحدة ويا ليتها كانت خلافات من أجل الدين والحق والقيم العظيمة والتنافس من أجل ازدهار الأمة ورفاهية الشعوب بل كانت من أجل دنيا فانية ولذة عابرة، فما قيمة هذه الأمة التي تملأ شرق الأرض وغربها إذا كانت أوزاعًا متفرقة، وإذا كانت أفرادًا مختلفين، وإذا كانت جماعات متناحرة، وإذا كانت حميات جاهلية وعصبيات مناطقية! إن قوتها حينئذٍ تنعكس وبالًا عليها، ويعتريها الضعف، ويتجرأ عليها العدوُّ، وتنتشر فيها العداوة والبغضاء، قال تعالى:  {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}  [المائدة: 14].

 

عباد الله، فلتكن الإخوة الإيمانية رابطةَ كل مسلم مع إخوانه، وليسعى كل مسلم لجعلها سلوكًا عمليًّا في الحياة يُرضي بها ربَّه ويقوِّي بها صفَّه، ويحفظ بها أُمَّته ومجتمعه ووطنه، وليعفوا بعضنا عن بعض، ولنتراحم ونتعاون فيما بيننا، ولنتذكَّر الأجر والثواب الذي أعَدَّه اللهُ لعباده المؤمنين المتحابِّين فيه، ولنحيي هذه الأخوة في قلوبنا لتحيا في واقعنا وحياتنا.

فالأخوة في الله مساحة كبيرة وأرض فسيحة، نباتُها الصدق والإخلاص، وماؤها التواصي بالحق، ونُسمِّيها حُسْن الخُلُق وحارسها الدعاء.

 

اللهم احفظنا بالإسلام قائمين وقاعدين، ولا تشمِّت بنا الأعداء الحاسدين، وقوِّ إخوتنا، ووحِّد صَفَّنا، وانصُرْنا على من عادانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، والحمد لله رب العالمين.

_______________________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

آثار التدين بالإسلام في حياة المسلم

إن من آثار التدين بدين الإسلام معرفة الإنسان للغاية من وجوده في هذه الحياة، وهي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *