منذ حوالي ساعة
لولا ما حدث في التوراة والإنجيل من تحريفٍ وتزييف، وما أصاب علماءهم مِن كِبْرٍ وحسدٍ وجحود، لبقيت وظلت النصوص الدالة على صدق ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واضحة وضوح الشمس الشبكة
- الكاتب: إسلام ويب
كثُرَت وتعدّدَت البشارات في الكتب السماوية السابقة ببعثة ونبوة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حيث بَشّر الأنبياءُ أقوامَهم بقدومه، وأمَروا أتباعهم بالإيمان به، ولولا ما حدث في التوراة والإنجيل من تحريفٍ وتزييف، وما أصاب علماءهم مِن كِبْرٍ وحسدٍ وجحود، لبقيت وظلت النصوص الدالة على صدق ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واضحة وضوح الشمس في وسط النهار، قال الله تعالى: {{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}} (الأعراف:157) . وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: «لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه فقلتُ له: (أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف ببعض صفته في القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}(الأحزاب:45)، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتُك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سَخَّابٍ في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً)» [رواه البخاري] .
ومن المعلوم أن اليهود أقاموا بالجزيرة العربية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يفخرون على جيرانهم من العرب بأنهم من أهل الكتاب، وأنهم يعتنقون ديناً سماويا مُنزلاً من عند الله، وقد اقترب ظهور نبي آخر الزمان الذي بشرت به التوراة، وأنهم يتطلعون أن يكون هذا النبي من بينهم، ومع ذلك لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وجد منهم ما وجده من مشركي قريش، الصَّدّ والإعراض، والكيد والمحاربة، مع أن البشارات والعلامات في التوراة التي تشير إلى نبي آخر الزمان قد تجمعت فيه صلى الله عليه وسلم. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: «(يا معشر اليهود، ويلكم، اتقوا اللهَ، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً، وأني جئتُكم بحقٍّ، فأسلِموا)» [رواه البخاري] .
جحودٌ واسْتِكْبار:
ذَكر قتادة رضي الله عنه عن رجال من الأنصار السبب فى مسارعتهم إلى إجابة النبى صلى الله عليه وسلم ونصرته والإيمان به فقال ـ كما ذكر الألباني في كتابه: “صحيح السيرة النبوية“: “إن مما دعانا إلى الإِسلام ـ مع رحمة الله تعالى وهداه لنا -: أن كنا نسمع من رجل من اليهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نِلْنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتواعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية: {{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}} (البقرة: 89).
وعن عوف بن مالك الأشجعي قال: (انطلق النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وأنا معه، حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدٍ لهم، فكرهوا دخولنا عليهم فقال صلى الله عليه وسلم لهم:يا معشر اليهود! أروني اثني عشر رجلاً يشهدون أن لا إله إلَّا الله وأنِّي رسول الله، يحط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي غضب عليهم، قال: فأسكتوا ما أجابه منهم أحدٌ! ثم رد عليهم، فلم يجبه منهم أحد فقال صلى الله عليه وسلم: أبيتم! فوالله، إني لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا النبي المصطفى، آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه، حتى إذا كدنا أن نخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنتَ يا محمَّد! فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: والله ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله منك ولا أفقه منك، ولا من أبيك قبلك، ولا مِن جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، فقالوا: كذبتَ! ثم ردوا عليه قوله، وقالوا فيه شراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:كذبتم، لن يقبل قولكم، أما آنفاً فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذ آمن فكذبتموه وقلتم فيه ما قلتم، فلن يقبل قولكم. قال: فخرجنا ونحن ثلاثة: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا، وعبد الله بن سلام وأنزل الله تعالى فيه: {{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}} (الأحقاف:10)) رواه ابن حبان.
يهود شهدوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا:
مع حقد اليهود الشديد على النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كتمانهم أو تحريفهم للتوراة، فقد آمن به الكثير منهم لعلمهم ببعض علاماته وصفاته والبشارة به في التوراة قبل كتمانها أو تحريفها، والأمثلة على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، ومنها:
1 ـ عبد الله بن سلام بن الحارث كان حَبْرا من كبار علماء يهود بني قَيْنُقَاع، ثم أسلم مَقْدَمَ النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقال عنه الذهبي: “الإمام الحَبْر، المشهود له بالجنة، حليف الأنصار، من خواصِّ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم”. وقصة إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه يرويها أنس بن مالك رضي الله عنه فيقول: «(أن عبد الله بن سلام بَلَغَه مَقْدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني به جبريل آنفا، قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال صلى الله عليه وسلم: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال (عبد الله بن سلام): يا رسول الله، إن اليهود قوم بُهْت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟! قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتُم إن أسلم عبد الله بن سلام؟! قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه، قال: هذا كنتُ أخاف يا رسول الله)» [رواه البخاري] .
2 ـ وعن أنس رضي الله عنه قال: «(كان غلامٌ يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار) رواه البخاري، وفي رواية للبيهقي قال صلى الله عليه وسلم: (الحمد لله الذى أنقذه بي من النار)» .
3 ـ ذكر الألباني في” صحيح السيرة النبوية” أن رجلاً أعرابياً قال: «(لألقَينَّ هذا الرجل (النبي صلى الله عليه وسلم) فلأسمَعنَّ منه، قال: فتلقَّاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتُهم في أقفائِهم حتى أتوا على رجلٍ من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها يُعزِّي بها نفسه على ابنٍ له في الموت كأحسنِ الفتيان وأجملهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنشدُك بالذي أنزل التوراة، هلْ تجدُ في كتابك صفتي ومخرَجي؟ فقال برأسه هكذا أي: لا، فقال ابنُه: إِيْ والذي أنزل التوراة إنا لنجدُ في كتابِنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وأنَّك رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أقيموا اليهوديَّ عن أخيكُم، ثمَّ ولَّي كفنَه، وصلَّى عليه)، والشاهد: أن هذا الفتى في اللحظات الأخيرة قبل موته قال: “إي والله إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك”» .
لقد تعددت الأوصاف في الكتب السماوية السابقة بعلامات وصفات خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، ولولا ما حدث في هذه الكتب من تحريف وتزييف وكتمان، وما أصاب أحبارهم وقساوستهم من كِبْر وحسد، لكانت النصوص الدالة على نبينا صلى الله عليه وسلم واضحة وضوح الشمس في وسط النهار.. وما كان يخفى على اليهود أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا نبوّته، ولكنّهم كتموا ما عندهم من آيات وبينات، وجحدوا الحقّ واستكبروا عنه حسداً من عند أنفسهم، قال الله تعالى: {{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}} (البقرة:146). قال ابن كثير: “يخبر تبارك وتعالى أن علماء أهل الكتاب (اليهود والنصارى) يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، {{كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}} : كما يعرف أحدهم ولده”. وقال السعدي: “يخبر تعالى: أن أهل الكتاب قد تقرر عندهم، وعرفوا أن محمداً رسول الله، وأن ما جاء به، حق وصدق، وتيقنوا ذلك، كما تيقنوا أبناءهم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهم، فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون، ولكن فريقا منهم – وهم أكثرهم – الذين كفروا به، كتموا هذه الشهادة مع تيقنها”. وقال الله تعالى: {{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}} (البقرة: 109). قال ابن كثير: “من بعد ما أضاء لهم الحق لم يجهلوا منه شيئاً، ولكن الحسد حملهم على الجحود.. وقال أبو العالية: {{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}} من بعد ما تبين لهم أن محمداً رسول الله يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، فكفروا به حسدا وبغياً، إذ كان مِنْ غيرهم”. وقال ابن تيمية: “قد رأيتُ أنا من نسخ الزبور ما فيه تصريح بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم باسمه، ورأيتُ نسخة أخرى بالزبور فلم أر ذلك فيها، وحينئذٍ فلا يمتنع أن يكون في بعض النسخ من صفات النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس في أخرى”..
Source link