ولأنه من سنة الله تعالى في خلقه التفاوت في المراتب والدرجات، كان أغنى وأعلى وأرقى مراتب الماء على وجه الأرض (ماء زمزم)
أيها الإخوة الكرام :
في سورة الواقعة وبين آياتها البينات يمتن الله تعالى على جميع عباده فيقول {﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ ﴾}
هذه الآيات تتحدث عن نعمة من أجل النعم، وهي نعمة الماء، أعظم ما امتن الله به على عباده من نعم الدنيا ، إن خفَّ الماء كان سحابًا، وإن ثقل الماء كان غيثًا ثجَّاجًا، وإن أصابته الشمس كان بخارًا، وإن مسه البرد كان ندًى وثلجًا وبَرَدَا، تجري بنعمة الماء الأنهار، وتتفجَّر به الآبار، وتختزنه البحار، ولا يمسكه ولا يرسله إلا الله الواحد القهار
{﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِينٍۭ ﴾ }
العالم بلا ماء يساوي العالم بلا حياة:
فبدون الماء الإنسان يموت والنبات يموت والطيور تموت والبهائم تموت، الكائن الحي إن لم يشرب الماء يموت، إلا كائنات قليلة جداً من القوارض من فصيلة الفئران مثل (فأر اليربوع) و (فأر الكنغر) إن شربت هذه الكائنات الماء مباشرة تموت هي تكتفي فقط بالماء والرطوبة التي تكون في الأعشاب التي تأكلها، ومن هذه القوارض ما ينتج الماء ذاتياً عوضاً عن الشرب المباشر للماء ..
ولأنه من سنة الله تعالى في خلقه التفاوت في المراتب والدرجات، كان أغنى وأعلى وأرقى مراتب الماء على وجه الأرض (ماء زمزم)
أطيب وأطهر وأنقى وأصفي وأغني وأنفع ماءٍ على وجه الأرض ماءُ زمزم قال النبي عليه الصلاة والسلام (الحمى من فيح جهنم، فابْرُدوها بماء زمزم) أخرجه البخاري، واللفظ لأحمد.
والحديث عن ماء زمزم وبركة ماء زمزم وخصائص ماء زمزم جزء من ديننا نحن المسلمين، وجزء من عقيدتنا نحن المسلمين..
من خلال ما وقعت عليه أيدينا ونحن ندرس سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم وقعت على أسماء النبي عليه الصلاة والسلام فهو صلى الله عليه وسلّم محمد وهو أحمد وهو الماحي يمحو الله به الكفر وهو الحاشر يحشر الناس على قدمه وهو العاقب فلا نبي بعده وهو نبي الرحمة وهو نبي التوبة وهو النبي الزمزمي وإنما سمي النبي صلى الله عليه وسلّم بالنبي الزمزمي لان الله تعالى أمر جبريل فنزل فشق عن قلب النبي عليه الصلاة والسلام في حادثة شق الصدر التي جرت لرسول الله وهو ابن 4 سنوات وهو ابن 10 سنوات وهو ابن 40 سنة وفي ليلة الإسراء والمعراج..
فنزل جبريل فشق عن صدره صلى الله عليه وسلّم فاستخرج قلبه فغسله بماء زمزم في كل مرة ثم رده وخاط الجرح، فكان قلبُه – صلوات الله وسلامه عليه – خير القلوب وأزكاها، وأتقاها وأنْقاها، من هنا سمي رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالنبي الزمزمي، قال انس بن مالك كنا نرى أثر المخيط في صدر النبي عليه الصلاة والسلام..
أول ظهور لماء زمزم على وجه الأرض:
كان استجابة لدعوة دعاها سيدنا إبراهيم عليه السلام وكرامة لهاجر المصرية زوج الخليل سيدنا إبراهيم، وأم صادق الوعد سيدنا إسماعيل الجد الأعلى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم..
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ-وهي الشجرة العظيمة- فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا..
فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ ؟
فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ..
وانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ {﴿ رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾}
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ وهو يتلوى فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ..
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا»
فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ (جبريل) عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ««يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا»»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ لَا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِيه هَذَا الْغُلَامُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَهْلَهُ ..)
أما عن الحديث عن ماء زمزم في سنة الحبيب النبي فاسمعوا حديث النبي عليه الصلاة والسلام (ماء زمزم لما شُرب له) رواه ابن ماجه
من شرب ماء زمزم يبتغي الشفاء شفاه الله، ومن شربة يبتغي العلم علمه الله، ومن شربه يبتغي الشبع أشبعه الله، ومن شرب ماء زمزم يبتغي الرِّيَّ رواه الله فماء زمزم لما شُرب له..
ولذلك كان عبدالله بن عباس إذا شرب من ماء زمزم قال : “اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وشفاءً من كل داء”
ومن ذلك أيضاً ما رواه البخاري في تاريخه، عن عائشة – رضي الله عنها – أنها حملت ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الأداوي والقِربِ، فكان يَصبُّ على المرضى ويسقيهم..
ومن بين أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام عن ماء زمزم قوله (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم، وشفاء السقم) أخرجه الطبراني..
شرب أبو ذر رضي الله عنه ماء زمزم يدفع عن نفسه الجوع والعطش فكفاه شهراً حتى صلح جسده وامتلأ لحماً وشحماً ونضارة ولم يذق معه ذواقاً.. عندها قَالَ النبي إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ..
وشرب الشافعي ماء زمزم ودعا أن يسدد الله رميه فكان رضي الله عنه يرمي فيصيب من كل عشرة عشرة، وشرب ماء زمزم للعلم فكان أعلم أهل زمانه، وشربه طلباً للجنة ونحسبه من أهلها والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً..
وشرب أبو حنيفة ماء زمزم للعلم فكان له ما أراد..
وشرب محمد بن المنكدر ماء زمزم لئلا يظمأ يوم القيامة..
وشربه الإمام ابن حجر بنية الاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام..
هذا الحديث عن ماء زمزم، عن هذا الماء المبارك، هو جزء من ديننا نحن المسلمين، وجزء من عقيدتنا كمسلمين لأن كل ما جاءنا عنه إنما جاءنا عن رسولنا الأمين الذي لا ينطق عن الهوى صلي الله عليه وسلم..
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكتب لنا الحج والعمرة، وأن يرزقنا الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم ونسأله سبحانه أن يسقينا من ماء زمزم شربة هنيئة تكن لنا طعاماً وشراباً وشفاءً.. اللهم آمين.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن أطيب وأطهر وأنقى وأصفي وأغني وأنفع ماءٍ على وجه الأرض ماءُ زمزم.. بقي لنا أن نقول هل أتت آيات القرآن الكريم على ذكر ماء زمزم ؟ والجواب نعم..
في سورة آل عمران الله تعالى يقول: {﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ ﴿ فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا ۗ ﴾}
قال المفسرون الآيات البينات في البيت الحرام هي: مقام إبراهيم، والحجر الأسود، والحطيم، وماء زمزم ..
وفي سورة إبراهيم الله تعالى يقول: {﴿ رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾}
قال المفسرون : أولى الثمرات التي أعطاها الله إبراهيم الخليل حين دعا بقوله {وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ} كانت ماء زمزم.
وفي الختام أود أن أقول : من آداب شرب ماء زمزم ( التضلع به) -والتضلع هو أن تشرب من الماء حتى تمتلأ منه
وهذا التضلع من ماء زمزم من علامات الإيمان أخرج بن ماجة عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَالِسًا فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ جِئْتَ قَالَ مِنْ زَمْزَمَ قَالَ فَشَرِبْتَ مِنْهَا كَمَا يَنْبَغِي قَالَ وَكَيْفَ قَالَ إِذَا شَرِبْتَ مِنْهَا فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وَتَنَفَّسْ ثَلَاثًا وَتَضَلَّعْ مِنْهَا فَإِذَا فَرَغْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ إِنَّهُمْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ..
وهنا ينشأ سؤال: هل يجوز أن نحمل ماء زمزم إلى الناس في بلادنا؟
والجواب نعم يجوز أن نحمل ماء زمزم إلى الناس في بلادنا..
الدليل: فعل النبي صلى الله عليه وسلّم
فعن عائشة – رضي الله عنها – أنها حملت ماء زمزم في القوارير، وقالت: حمله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الأِدَاوي والقِربِ، فكان يَصبُّ على المرضى ويسقيهم.
Source link