منذ حوالي ساعة
لعب المال دورًا متزايدًا في الديمقراطيات الحديثة، ما يُثْبت عدم نزاهة العملية الديمقراطية وشفافيته
لعب المال دورًا متزايدًا في الديمقراطيات الحديثة، ما يُثْبت عدم نزاهة العملية الديمقراطية وشفافيتها.
لقد أصبح المال أداة قادرة على تشكيل السياسات في الأوكار الديمقراطية، وتوجيه الآراء، والتأثير في مواقف الناخبين، وهو ما يسلّط الضوء على ثغرة واضحة تؤكد فساد مبادئ الديمقراطية ذاتها، حيث يفترض أن يكون صوت الفرد هو العامل المحوري كما يزعمون، لا قوة رأس المال.
المال والسياسة: حلقة مغلقة ..
يعتبر المال في الديمقراطية من الأدوات الأساسية التي تتيح للمرشحين السياسيين بناء حملاتهم الانتخابية، والوصول إلى جماهيرهم، والترويج لأفكارهم ولو كانت فاسدة أو ظالمة أو مخالفة للفطرة. ومع ذلك، فإن الأمر يتجاوز بكثير مجرد تمويل الحملات الانتخابية؛ إذ دخل المال في تفاصيل القرار السياسي، وأصبح العمود الفقري والمحدد الرئيس لأجندات الأحزاب والسياسيين. ففي كثير من الديمقراطيات لا كثرها الله، نرى مجموعات مصالح خاصة وشركات كبرى تُنفق مبالغ فاحشة على تمويل حملات انتخابية أو استراتيجيات ضغط (لوبيات)، وهو ما يجعل القرار السياسي ألعوبة في أيدي هؤلاء بدلًا من أن يخدم مصلحة الشعب كما يدعي كهنة الديمقراطية.
ثغرات قانونية و”شراء النفوذ” ..
تمكّن القانون في بعض الدول الديمقراطية من وضع حدود على تمويل الحملات الانتخابية، إلا أن هذه القوانين غالبًا ما تكون غير صارمة بما يكفي، وتوجد طرق عديدة للتحايل عليها. حيث يستطيع الأثرياء والشركات الكبرى استغلال الثغرات القانونية لتحقيق أهدافهم؛ كاستخدام اللجان السياسية المستقلة التي تعمل بتبرعات خاصة ودون سقف مالي، أو تمويل حملات دعائية لا تتبع مباشرةً لحملات المرشحين الرسميين. وفي هذا السياق، تتحول العملية الديمقراطية إلى ساحة مفتوحة للاستثمار المالي، حيث يتسابق أصحاب النفوذ لشراء التأثير.
على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، سمح قرار المحكمة العليا المعروف باسم “المواطنون المتحدون” (Citizens United v. FEC) عام 2010، للشركات والنقابات بإنفاق مبالغ غير محدودة على الحملات السياسية، مما أدى إلى تدفق أموال هائلة إلى السياسة الأميركية. تحول هذا الحكم إلى فضيحة من العيار الثقيل، لأنه أعطى الشركات الكبرى والمجموعات المالية الضخمة سلطةً غير مباشرة على القرارات السياسية التي تهم (الشعب). فأصبحت الشركات تستطيع تخصيص أموالٍ طائلة لدعم مرشحين يخدمون مصالحها الضيقة، مما يزيد من النفوذ المالي في السياسة، ويهمش الصوت الشعبي الذي يزعون أن له الحكم.
وسائل الإعلام والتلاعب بالوعي ..
مع تدفق الأموال على العملية السياسية، نجد أن تأثير المال يتجاوز الحملات الانتخابية التقليدية ليشمل وسائل الإعلام أيضًا. تستطيع الشركات الكبرى من خلال تمويلها للدعاية الإعلانية الترويج لصورة معينة أو تغطية جوانب محددة من القضايا السياسية بشكل يخدم مصالحها ولو كانت تضر الشعب أو فئات منه، مما يؤثر على وعي الجماهير وتصورهم للقضايا. ويُعد هذا التلاعب الإعلامي أحد أساليب النفوذ المالي الرائج التي تستهدف تغيير الرأي العام وجعله يميل إلى القبول بأجندات معينة دون وعي تام بما يجري، كقتل الأنفس البشرية البريئة الذي يسمونه (حق الإجهاض) أو الولوغ في الفواحش واعتبار ذلك من حقوق الإنسان، وتزداد خطورة الوضع حينما تكون وسائل الإعلام نفسها مملوكة لمجموعات مالية ضخمة أو متأثرة بتمويل من جماعات مصالح. يتحول الخبر إلى وسيلة للتلاعب بالأفكار، ويصبح الرأي العام خاضعًا لإرادة فئة ضيقة ومجرمة، فيما يفقد المواطنون الثقة بمصداقية المعلومات التي تصلهم، هذا إن كان لديهم وعي.
“الديمقراطية الظاهرية”: عندما يسيطر المال على المشهد ..
في ظل هذه التدخلات المالية، تبدو الديمقراطية في كثير من الأحيان مجرد واجهة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب لأنها تخفي خلفها قوى المال والنفوذ الغارق في الظلم والإجرام. فعلى الرغم من أنّ الانتخابات حسب قواعدهم الديمقراطية، إلا أن الفائزين الحقيقيين غالبًا ما يكونون أولئك الذين يمتلكون الأموال الضخمة الأرصدة السمينة والشركات عابرة القارات ومتعددة الجنسيات، مما يجعل العملية الديمقراطية مجرد ظاهرة شكلية. هذا التوجه نحو “الديمقراطية الظاهرية” يلغي قدرة المواطنين العاديين على القرار في السياسي، ويؤدي إلى تفاقم الفجوة بين الفئات الاجتماعية، حيث يبدو أن الديمقراطية تخدم الأثرياء وأصحاب الأموال الطائلة أكثر من غيرهم.
تأثير المال على التشريعات والسياسات العامة ..
ليس تأثير المال مقتصرًا على الانتخابات فقط؛ بل يمتد إلى التشريعات والسياسات العامة. في كثير من الديمقراطيات، نلاحظ أن السياسات التي تُقر تتماشى بشكل كبير مع مصالح مجموعات الضغط والحيتان الكبار. يزداد هذا التأثير وضوحًا في قضايا مثل التغييرات الضريبية، القوانين البيئية، والتشريعات المتعلقة بحقوق العمال، حيث تكون القرارات غالبًا موجهة لخدمة أصحاب البطون الكبيرة.
إن هذا النفوذ المالي يقوض العدالة الاجتماعية الذي يزعمون أن الديمقراطية تحققها، ويمسّ بقدرة الحكومات على وضع سياسات تخدم جميع فئات المجتمع. فعلى سبيل المثال، قد تُخفَّف التشريعات الضريبية على الشركات الكبرى وأصحاب الثروات على حساب الفئات الأقل دخلًا، مما يفاقم من عدم المساواة الاقتصادية في المجتمع.
اما نحن المسلمون فالأمر عندنا غاية في الوضوح حيث يقول الحكم العدل {(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)} {(وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ)}
اللهم طهر بلاد المسلمين من ظلمات العلمانية والليبرالية والديمقراطية والنسوية وأذنابهم
Source link