أيتها الزوجة المحبة لزوجها الحريصة على تغييره للأحسن، أشعر بما تشعرين به، وأعلم حرصك على تحسين زوجك وتحسين علاقتكما، لكن دعيني حبيبتي أهمس إليك بكلمات بسيطة لعلها تساعدك في حل مشكلتك.
زوجك ليس ابنك.
زوجة تسأل: ساعديني لأغيِّر من زوجي، أحاول معه بشتى الطرق أن يتغير لكنه يعاندني ولا يستجيب مع أني أريد مصلحته، وأريد أن تستقر حياتنا؛ لكنه لا يساعدني. كيف أتصرف؟
أيتها الزوجة المحبة لزوجها الحريصة على تغييره للأحسن، أشعر بما تشعرين به، وأعلم حرصك على تحسين زوجك وتحسين علاقتكما، وأشكر لك ذلك. لكن دعيني حبيبتي أهمس إليك بكلمات بسيطة لعلها تساعدك في حل مشكلتك.
أولًا حبيبتي، تعالي نصيغ سؤالك بصيغة أخرى وهي: كيف أتكيف مع طباع زوجي وأتقبلها؟ ولكن سؤالك: كيف أغير زوجي؟ ربما يكون غير دقيق. لماذا؟
لأننا لا نملك قلب أحد، لا نملك قلب أزواجنا ولا قلب أولادنا لنغيرهم، حتى قلوبنا نحن لا نملكها بل الله هو من يقلب القلوب ويصرفها ويهديها.
نحن فقط نأخذ بأسباب الهداية ونترك النتائج على الله.
كذلك نحن مسؤولون عن أنفسنا وعن ردود أفعالنا واستجاباتنا وسلوكياتنا ولسنا مسؤولين عن أزواجنا وتصرفاتهم.
ثانيًا: يؤسفني أن أخبرك بأنه لن يتغير بهذه الطريقة.
لن يتغير بكثرة النقد واللوم والتبكيت والتجريح والصوت العالي.
لن يتغير عندما تقولين له: “أنت لن هتتغير أبدًا”.
لن يتغير عندما تقارنينه بزوج صديقتك الذي يساعدها في البيت وتطالبينه أن يكون مثله.
لن يتغير بالعناد والخصام وكثرة المشاكل.
لن يتغير بالبكاء والعويل والشكوى.
لن يتغير عندما تقولين له: “الحياة معك لا تُطاق”.
لن يتغير عندما تعاملينه كابنك الصغير الذي تربينه وتصححين له أخطاءه لينتبه لها المرة القادمة.
ولن يسعدني أن أبشرك بأنه سيتغير فقط.
عندما تكفين عن تغييره، عندما لا تطالبينه بالتغيير، عندما تتقبلينه كما هو بعيوبه ومميزاته، عندما تستخدمين معه القوة الناعمة والمداراة وطرق الإقناع ودهاء الأنثى ومكرها، عندما تستخدمين سياسة النفس الطويل والصبر الجميل، وضبط النفس والانفعالات.
عندما تمدحين ما فيه من خير، وتصطادين الحسنات، وتبحثين عنها وتكبرينها كما تصطادين السيئات وتضخمينها.
الرجل بطبعه عنيد ولا يحب النصح المباشر من أحد خاصة من زوجته، فعندما تستخدمين معه الأسلوب المباشر في النصح والإرشاد والتوجيه فلن يستجيب؛ بل قد يكون أكثر عِنْدًا وإصرارًا على الخطأ، وقد تسمعين منه جملة “أنا هكذا ولن أتغير وإن كان عاجبك”.
والزوجة الحكيمة هي من تعرف من أين تؤكل الكتف، تعرف الأوقات المناسبة للكلام معه، تعرف كيف تذهب بلُبِّ زوجها بأنوثتها وضعفها الأنثوي اللذيذ، بمرحها وودها، بإعطائه برستيجه ورجولته والإيجو الذي يحبه، يإظهار الموافقة والإعجاب بآرائه وإن كنت متأكدة أنها خطأ، بالمداراة واللف والدوران وكيد النساء.
أما إذا وقفت له بالمرصاد والندية والعناد، فسيعتبرك عدوًّا تنازعينه قوامته ورجولته، وسيراك رجلًا يجادله ويعانده فيستأسد عليك أكثر؛ لأنك فقدت الضعف الأنثوي والرقة والليونة التي يجب أن تعامليه بها، فلا يراك أنثى وقتها.
لا تنخدعي بمن تقول لك قفي لزوجك بالمرصاد، ونكدي عليه واحرميه حقوقه حتى يستجيب لك، قد يتغير القليل من الرجال بهذا الأسلوب، ولكنه سيكون تغييرًا مؤقتًا ليتفادى المشاكل معك ثم يردُّ لك الصاع صاعين، ولكن معظم الرجال لن يستجيب لذلك ابتداءً؛ بل سيؤدي ذلك إلى فجوة كبيرة في علاقتكم الزوجية ولن يستجيب أيضًا لما تطالبينه به.
تقول لي إحدى الزوجات: “لا بد أن أقول رأيي وإن حدثت مشكلة ليعلم أن لي رأيًا، مثلي مثله، حتى لو نفذ رأيه هو في آخر الأمر”، فقلت لها: وهل وصلت إلى نتيجة بهذا الأسلوب؟! بالعكس حدثت مشكلة ونفور بينكما ولم يحدث إلا ما أراده زوجك، وأنا لا أقول لك: لا تقولي رأيك، ولا تُعبِّري عمَّا تريدين بالعكس؛ ولكن اختاري الأسلوب الذي لا يؤدي إلى مشكلة أكبر، فليس الهدف أن تقولي ما تحبي فقط لتثبتي كلامك ثم ينفذ هو ما يريد؛ بل أريدك أن تجعليه ينفذ رأيك وكلامك دون أن يشعر، ودون أن تفتعلي مشكلة؛ أن تستخدمي فن الإقناع والسحر الحلال من الكلمات والأساليب، أن تظهري موافقتك لكلامه بداية حتى لا يأخذ موقفًا من كلامك ويعارضه ثم تذكرين رأيك وتقولين مثلًا إنك مشفقة عليه وتريدين الخير له”.
ولكن هل معنى ذلك أنه لن يتغير أبدًا؟ لا سيتغير إن شاء الله ولكن لا تركزي على تغييره، ركزي على تطوير نفسك وتغييرها لتستوعبيه بقلبك الكبير ونفسك الصبور. وهو سيتغير لاحقًا عندما تتغيرين أنتِ.
فالتغيير شيء صعب على النفس عامة، وإذا أردت أن تعرفي ذلك فسلي نفسك: كم عادة سيئة تريدين أن تغيريها في نفسك منذ زمن ولم تستطيعي إلى الآن؟ لماذا إلى الآن لم تتحكمي في عصبيتك أو صوتك العالي أو… أو غيرها من العادات السيئة؟
التغيير يحتاج إلى وقت واقتناع من الشخص نفسه حتى يتغير كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
الصفة السيئة تكون مترسخة في الشخص منذ سنين طويلة فلن تتغير بين عشية وضحاها، لا بُدَّ لها من النفس الطويل والمجاهدة، فما كان متعودًا عليه منذ خمس وعشرين عامًا لن يتغير في عام ولا عامين نحن لسنا هواتف عندها زر مكتوب عليه تغيير الوضع نضغط عليه لنتحول من حالة لحالة، نحن بشر تؤثر في أفعالنا الكثير من العوامل من تربية ومجتمع وطباع وأفكار ومعتقدات.
إذا كانت تربية الولد الصغير الذي هو صفحة بيضاء صعبة وتحتاج إلى جهاد وصبر ووقت حتى تري نتائج تربيته، فما بالك بشخص بالغ مترسخ في عقله عادات وأفكار ومعتقدات خاطئة كثيرة؟!
وعلى الهامش فمن يتقدم لها زوج لا يصلي أو أخلاقه سيئة أو عنده علاقات محرمة فتقبل به وتقول: سيتغير بعد الزواج أو تظن أنها ستغيره فهي مخطئة وتخدع نفسها ولا تفكر بعقلها بل بقلبها، صحيح قد يتغير للأحسن في بعض الأحيان ولكن ذلك إذا كان هو شخصيًّا عازمًا على التغيير وأراد الله به الخير، ليس لأن الزوجة هي التي غيَّرته.
لذلك كما قلت لك الموضوع يحتاج إلى وقت طويل جدًّا منك، فالوقت جزء من العلاج ويحتاج أيضًا إلى حكمة في التعامل وضبط نفس كبير.
وكما تطالبينه بالتغيير غيري أنتِ من نفسك وتعاملي معه كما هو بأن تغيري نظرتك له وتستمتعي بما فيه من مميزات وإن كانت قليلة وتتكيَّفي مع صفاته التي لا تعجبك.
فعندما تكفين عن مطالبته بالتغيير وتركزين على الإيجابيات ستعود علاقتكما للهدوء والسكن والاستقرار، وهذا سيجعله يُغيِّر من نفسه؛ لأنه سيكون حريصًا على إرضائك كما ترضينه، ولكن ذلك سيكون بعد مدة كبيرة من الهدوء والاستقرار في علاقتكما.
قد تقولين: ولكني لا أحسن هذه الأساليب الأنثوية وما في قلبي على لساني.
أقول لك تعلمي حبيبتي تعلمي “إنما العلم بالتعَلُّم والحلم بالتحَلُّم” وما أكثر هذه الدورات الآن! فقط ابحثي عنها، ثم تدربي على استعادة أنوثتك الغائبة المدفونة في أعماقك البعيدة، أنوثتك التي أرادوا لك أن تئديها في مهدها لتكوني مثل الرجل مساوية له في كل شيء وإن تخليتِ عن فطرتك التي تميزك عنه، فطرتك الرقيقة الحنونة اللينة الناعمة.
قد تقولين: ولكني أنفعل سريعًا وأفقد أعصابي وإن رأيت خطأ لا أتحكم فيما أقول ولا فيما أفعل.
أقول لك أيضًا: تعلمي ضبط النفس والثبات الانفعالي وعدم الغضب بالبحث عن السبب الحقيقي وراء انفعالك ومعالجته، فقد تكونين كمالية أو مثالية بشكل مبالغ فيه وقد تكونين مضغوطة من كثرة مسؤولياتك أو غيرها من الأسباب التي تفقدك أعصابك سريعًا، ثم ذكري نفسك دائمًا بأجر كظم الغيظ، وترك الجدال، وإن كنت محقة. اكتبي هذه الآيات والأحاديث في ورقة كبيرة وعلِّقيها أمامك دائمًا. وأولًا وأخيرًا سلي الله أن يهديك لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، ولا يصرف سيئها إلا هو.
بقي أن أقول لك: إذا كان زوجك على ذنب معين وتريدين أن يتركه وقد نصحتِهِ مرارًا وتكرارًا ولكنه لم ينتهِ عنه، فتذكري أنك لست مسؤولة عنه أمام الله، ولست مكلفة بتقويمه بل هو القيُّوم عليك، فإذا كان إنكارك عليه المنكر يؤدي إلى منكر أكبر منه بأن يعاندك ويزيد في ذنبه فلا يجوز إنكار المنكر عليه بل استخدمي الأسلوب غير المباشر والعرضي في الكلام وادعي له كثيرًا والله هو الهادي لعباده.
ودائمًا تذكري هذه القاعدة الهامة جدًّا في التعامل مع الناس عامة وهي (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به) كما وردت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فمَنْ أحبَّ منكم أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النارِ، ويَدْخُلَ الجنةَ، فلْتَأْتِهِ منيَّتُهُ وهوَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأْتِ إلى الناسِ الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إليه»؛ (صحيح مسلم).
فأتِ زوجك بما تحبي أن يعاملك به، فكما لا تحبين منه أن يستخدم معك أسلوب النقد واللوم والعناد فلا تستخدمي معه هذا الأسلوب.
والخلاصة: أن زوجك رزق لك بكل ما فيه من مميزات وعيوب، كما أنك رزق له بكل ما فيك من مميزات وعيوب، وما عليك إلا أن تتقبليه كما هو، ولا تسعين لتغييره، وتكيفي مع عيوبه، وركِّزي على حسناته، وتعَلَّمي مهارات الأنوثة والإقناع، وادعِ الله أن يصلح ما بينكما، ويؤلف قلوبكما، وقبل ذلك أصلحي ما بينك وبين الله، ليصلح الله لك زوجك.
_____________________________________________
الكاتب: سمر سمير
Source link