خطبة: الإيمان بالملائكة – طريق الإسلام

التذكير بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان، وبيان أوصاف ومهام الملائكة الكرام، والأوقات والأحوال التي تدعو لنا فيها الملائكة.

رمضان صالح العجرمي

1- صفات ومنزلة الملائكة.

2- مهام ووظائف الملائكة.

3- ثمرات الإيمان بالملائكة.

4- أحوال وأوقات تدعو لك فيها الملائكة.

(الهدف من الخطبة)

التذكير بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان، وبيان أوصاف ومهام الملائكة الكرام، والأوقات والأحوال التي تدعو لنا فيها الملائكة.

مقدمة ومدخل للموضوع:

إن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان:

كما قال الله تعالى:  {﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ﴾}  [البقرة: 285]، وقال تعالى:  {﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ ﴾}  [البقرة: 177].

وفي حديث جبريل المشهور، قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإيمان:  «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره» .

• فلا يستقيم إيمان العبد، ولا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا، إلا إذا آمن بالملائكة.

♦ كما قال الله تعالى:  {﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾}  [النساء: 136].

• والقدر الواجب للإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور لا بد منها:

1- الإقرار الجازم بوجودهم، وأنهم خَلْقٌ من خلق الله تعالى، مربوبون مسخرون لعبادته.

2- الإيمان بأسماء من علمنا اسمه منهم؛ كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، ومالك، ورضوان، وغيرهم عليهم السلام.

3- الإيمان بأوصاف من علِمنا وصفه؛ كما علمنا من السنة وصف جبريل عليه السلام، وأن له ستمائة جناح قد سدَّ الأفق؛ أي ملأ السماء.

4- الإيمان بأعمال من علِمنا عمله منهم؛ فجبريل عليه السلام موكَّل بالوحي، وإسرافيل موكَّل بالنفخ في الصور، وميكائيل موكَّل بالمطر، ومالك موكَّل بالنار.

الوقفة الأولى: صفات ومنزلة الملائكة:

• فإن الملائكة خَلْقٌ من مخلوقات الله تعالى، خَلَقَهم من نور، ولهم أجسام، ويسكنون السماء، وعددهم كثير، لا يعلمه إلا الله تعالى.

• ففي صحيح مسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «خُلقت الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وُصف لكم» .

ومن أوصافهم أنهم خَلْقٌ عظيم:

• كما قال الله تعالى عنهم:  {﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾}  [فاطر: 1].

أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه، (( «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب» )).

• وروى أبو داود عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «أُذِن لي أن أحدِّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام» )).

• ولما أهلك الله تعالى قرية من القرى التي كفرت بالله، أرسل لهم جبريل عليه السلام: { ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾}  [يس: 28، 29].

• ومن أوصافهم أنهم مأمورون طائعون لله تعالى.

• كما قال الله تعالى:  {﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ } [التحريم: 6].

• وقال الله تعالى:  {﴿ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾}  [الأنبياء: 27].

• ولأنهم لا يعصون الله تعالى، فهم يستغفرون، ويطلبون المغفرة من الله تعالى لأهل الإيمان.

• كما قال الله تعالى: { ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ } [غافر: 7].

• قال ابن عطية رحمه الله: “بلغني أن رجلًا قال لبعض الصالحين: ادعُ لي، واستغفر لي، فقال له: تُبْ واتبع سبيل الله، يستغفر لك من هو خير مني؛ وتلا هذه الآية”.

• ومن أوصافهم أنهم خَلْقٌ لا يأكلون ولا يشربون، وإنما طعامهم التسبيح والتهليل، ولا يضعُفون ولا يفتُرون عن عبادة الله تعالى.

• كما قال الله تعالى:  {﴿ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ﴾ } [الأنبياء: 19، 20].

الوقفة الثانية: مهام ووظائف الملائكة:

• فمنهم الموكَّل بالوحي من الله تعالى للرسل والأنبياء؛ وهو الروح الأمين؛ جبريل عليه السلام.

• كما في قوله تعالى:  {﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾}  [الشعراء: 193 – 195]، وقال تعالى:  {﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ﴾}  [النحل: 102].

• ومنهم الموكَّل بالمطر وتصريفه إلى حيث أمر الله تعالى؛ وهو ميكائيل عليه السلام.

• فقد جاء في الأثر أن ميكائيل عليه السلام يكيل المطر؛ كما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الحجر: 21].

• وجاء في بعض الآثار أيضًا: ((ما من قطرة تنزل من السماء، إلا ومعها مَلَكٌ يقررها في موضعها من الأرض)).

• وفي الحديث الصحيح أن رجلًا سمع صوتا في سحابة: (( «اسقِ حديقة فلان)» ).

• ومنهم الموكَّل بالأرحام.

• فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( «إن الله عز وجل وكَّل بالرحِم مَلَكًا يقول: يا رب، نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضيَ خَلْقَه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيُكتب في بطن أمه» )).

• وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق المصدوق، قال: (( «إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا، فيُؤمر بأربع كلمات، ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وأجله، وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الرو» ح)).

• ومنهم الموكَّلون بحفظ العباد؛ وهم المعقبات.

• قال الله تعالى:  {﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾}  [الأنعام: 61].

• ومنهم الموكَّل بحفظ أعمال العباد من خير وشر؛ وهم الكرام الكاتبون.

• كما قال الله تعالى:  {﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18]، وقال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [الزخرف: 80]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾}  [الانفطار: 10 – 12].

• ومنهم ملائكة سيَّاحون يتتبعون مجالس الذكر.

• ففي الحديث الصحيح: (( «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشِيَتْهُمُ الرحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» )).

• ومنهم ملائكة يشهدون صلاتي الفجر والعصر.

• كما قال الله تعالى:  {﴿ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾}  [الإسراء: 78].

• أي تشهده الملائكة.

• وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهو يصلون، وأتيناهم وهم يصلون» .

• ومنهم من يقف على أبواب المساجد في يوم الجمعة يكتبون من جاء إلى الجمعة، الأول فالأول، إلى أن يدخل الإمام، فإذا دخل الإمام، طُويَتِ الصحف.

• ففي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «تقعد الملائكة على باب المسجد يوم الجمعة، يكتبون مجيء الناس حتى يخرج الإمام، فإذا خرج طَوَوا الصحف، ورُفعت الأقلام» .

• ومنهم الموكَّل بالجبال.

•كما جاء في الحديث الصحيح في السيرة وغيرها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما رجع من الطائف، بعد أن كذبوه ضاق بذلك صدره، وفيه قال صلى الله عليه وسلم:  «فلم أَسْتَفِقْ إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إن الله قد سمِع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك مَلَكَ الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطْبِقَ عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله مِن أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا» .

• ومنهم زوَّار البيت المعمور الذي أقسم الله تعالى به؛ وهو بيت في السماء السابعة في مقابل الكعبة.

•وجاء في صفة البيت المعمور أنه:  «يدخله في كل يوم سبعون ألف مَلَكٍ، لا يعودون إليه آخر ما عليهم» .

• ومنهم حملة العرش.

• قال الله تعالى:  {﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا ﴾}  [غافر: 7].

• ومنهم من لا يعلمه إلا الله تعالى.

• كما قال تعالى:  {﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾}  [المدثر: 31].

• وفي الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ((إني أرى ما لا تَرَون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَتِ السماء وحُقَّ لها أن تَئِطَّ؛ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه مَلَكٌ ساجد أو قائم، لو علمتم ما أعلم، لضحِكتم قليلًا، ولبكَيْتُم كثيرًا، ولما تلذذتم بالنساء على الفُرُشِ، ولَخرجتم إلى الصَّعداء تجأرون إلى الله))» ؛ [رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه].

• ومنهم الموكَّل بقبض الأرواح؛ وهو ملك الموت وأعوانه.

• كما قال الله تعالى:  {﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11]، وقال تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾}  [الأنفال: 50].

• ومنهم الموكل بالنفخ في الصور؛ وهو إسرافيل عليه السلام.

• حيث ينفخ فيه ثلاث نفخات؛ كما قال الله تعالى:  {﴿ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ﴾}  [النمل: 87]، وقال تعالى:  {﴿ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾}  [الزمر: 68].

• وفي السنن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( «(كيف أنْعَمُ، وصاحب القرن قد الْتَقَمَ القرنَ، وحنى جبهته، وأصغى السمع متى يُؤمر، قال: فسمع ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشقَّ عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل» )).

• ومنهم الموكَّل بفتنة القبر؛ وهما منكر ونكير.

• فقد روى الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إذا قُبِرَ الميت أو قال أحدكم، أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، والآخر النكير» )).

• ومنهم خزنة الجنة، وفي مقدمتهم رضوان عليه السلام.

• قال الله تعالى:  {﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ﴾}  [الرعد: 23].

• وقال الله تعالى:  {﴿ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾}  [الأنبياء: 103].

• ومنهم خزنة جهنم عياذًا بالله؛ وهم الزبانية، ورؤوسهم تسعة عشر، ومقدمهم مالك.

• كما قال الله تعالى عن أهل النار: { ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ } [الزخرف: 77].

•وقال تعالى:  {﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾}  [التحريم: 6].

• وفي الحديث: (( «يُؤتَى بجهنَّم يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف مَلَكٍ يجرونها» )).

نسأل الله العظيم أن يقوي إيماننا.

الخطبة الثانية:

مع الوقفة الثالثة: ثمرات الإيمان بالملائكة:

• إن الإيمان بالملائكة له الكثير من الفوائد والثمرات؛ ومن ذلك:

1- إن الإيمان بالملائكة عليهم السلام يوجِب محبتهم وإجلالهم؛ فهم عباد مكرمون، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ويسبحون الليل والنهار لا يفترون.

• والإيمان بالملائكة وحبُّهم يترتب عليه الابتعاد عن الأشياء التي تؤذيهم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم.

• ففي صحيح مسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: (( «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكُرَّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: من أكل من هذه الشجرة المنتنة، فلا يقربنَّ مسجدنا؛ فإن الملائكة تأذَّى مما يتأذى منه الإنس» ))؛ [رواه مسلم].

• وفي صحيح البخاري، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» )).

2- ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: الإيمان بعظمة الله تعالى، وكمال قدرته وحكمته في خلق الملائكة، وهذه الثمرة من أعظم الثمار؛ لأن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.

• قال الله تعالى:  {﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾}  [فاطر: 1].

• وجاء في الحديث: (( «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى جبريل ليلة الإسراء وله ستمائة جناح، بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب» )).

3- ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: التشبُّه بهم في طاعتهم لله تعالى، وحسن عبادتهم، ودوام ذكرهم له، سبحانه وتعالى.

• قال الله تعالى:  {﴿ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾}  [الصافات: 164 – 166].

• قال الطبري رحمه الله: “يقول تعالى مخبرًا عن ملائكته: { ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ﴾ } [الصافات: 165] لله لعبادته،  {﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ ﴾}  [الصافات: 166]؛ يعني بذلك المصلون له”.

•وقال الله تعالى عنهم:  {﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾}  [الأعراف: 206].

•وفي الحديث: (( «ما في السماء موضع قدمٍ إلا عليه مَلَكٌ ساجد أو قائم» )).

• وعن أبي ذرٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إني أرى ما لا تَرَون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَتِ السماء وحُقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضع أربع أصابع، إلا ومَلَكٌ واضع جبهته ساجدًا لله» )).

• ولهذا قد شرع لنا التشبه بهم في كثرة طاعتهم، وحسن عبادتهم؛ كما جاء في الحديث: (( «ألَا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها، يُتمِّون الصفوف الأول فالأول، ويتراصُّون في الصف» )).

4- ومن ثمرات الإيمان بالملائكة: الطمع في استجابة الله تعالى لدعائهم واستغفارهم للمؤمن الطائع لربه، والأخذ بأسباب ذلك.

الوقفة الرابعة: أحوال وأوقات تدعو لك فيها الملائكة:

• ولا شكَّ أن دعاء الملائكة أقرب إلى القبول؛ فإن الإنسان منا يفرح بدعاء الصالحين له بظهر الغيب، وربما يطلب منهم الدعاء له؛ فكيف إذا كانت الملائكة الكرام هم الذين يدعون له بالرحمة والمغفرة، أو يؤمنون على دعائه؛ فهم أقرب إلى القبول؟

• وقد حفلت السنة المطهرة ببيان الأعمال التي تكون سببًا في دعاء الملائكة للعبد؛ ومنها:

1- عند الوقوف في الصف الأول بالصلاة.

• عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول))، وفي رواية: ((إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأُوَلِ» ))؛ [صححه الألباني في صحيح الترغيب].

2- عندما يصل الصفوف في الصلاة.

• ففي سنن ابن ماجه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إن الله وملائكته يصلون على الذين يصِلُون الصفوف، ومن سدَّ فرجةً، رفعه الله بها درجةً» )).

3- عند التأمين خلف الإمام بعد الفاتحة.

• ففي الحديث الصحيح: (( «فإذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غُفر له ما تقدم من ذنبه» )).

4- عند الجلوس في المسجد بعد الصلاة.

• ففي صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «الملائكة تصلي على أحدكم، ما دام في مُصلَّاه، ما لم يُحدِث: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه» )).

• قال ابن بطال رحمه الله: “فمن كان كثير الذنوب، وأراد أن يحطَّها الله تعالى عنه بغير تعب؛ فليغتنم ملازمة مكان مصلاه بعد الصلاة؛ ليستكثر من دعاء الملائكة الكرام، عليهم الصلاة والسلام، واستغفارهم له، فهو مرجو إجابته”.

وتأمين الملائكة عليهم الصلاة والسلام لمن يؤمِّن خلف الإمام بعد قراءة الفاتحة إنما هو مرة واحدة، وأما دعاؤهم لمن قعد في مصلاه دائمًا أبدًا، ما دام قاعدًا فيه؛ فهو أحرى بالإجابة.

5- عند سماع صياح الدِّيَكَةِ.

• ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( «إذا سمعتم صياح الديكة، فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكًا، وإذا سمعتم نهيق الحمار، فتعوذوا بالله من الشيطان؛ فإنه رأى شيطانًا» )).

6- عند عيادة المريض.

• فقد روى أحمد وأصحاب السنن عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( «إذا عاد الرجل أخاه المسلم، مشى في خِرافةِ الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوةً، صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساءً، صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح» )).

7- عند الزيارة في الله تعالى.

• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله، ناداه منادٍ: أن طِبْتَ وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا» )).

8- عند الدعاء لأخيك بظهر الغيب.

• ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه مَلَكٌ موكَّل، كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل» .

9- عند تعليم الناس الخير.

• ففي سنن الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال:  «ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها، وحتى الحوت – لَيُصلُّون على معلِّمِ الناس الخيرَ» .

10- عند النوم على طهارة.

• ففي الحديث الذي حسَّنه بعض العلماء: «من بات طاهرًا، بات في شعاره مَلَكٌ، فلم يستيقظ إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلان؛ فإنه بات طاهرًا» .

11- عند تناول السحور.

• فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «السحور أكله بركة، فلا تَدَعُوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» [صححه الألباني في صحيح الترغيب].

ويدخل في فضل الحديث الشريف من ساهم في إعداد السحور وإيقاظ المتسحرين؛ فالدالُّ على الخير كفاعله؛ كما بشَّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

12- عند الصدقة.

• في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا».

• فينبغي على المؤمن أن يتحين ويتحرى هذه الأوقات والأحوال؛ لكي يحظى بدعاء الملائكة الكرام وصلاتهم.

نسأل الله العظيم أن يجعلنا ممن يحظون بدعاء الملائكة الكرام وصلاتهم.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

التوفيق هبة من الله – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة التوفيق هبة من الله لا تُنال إلا بصدق العزم وحسن العمل. قال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *