قوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أي أخرجه، وهو محب له، راغب فيه، {ذَوِي الْقُرْبَى} هم قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة، {وَالْيَتَامَى} هم الذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب.
قال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
تفسير الآية:
اشتملت هذه الآية الكريمة، على جمل عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدة مستقيمة؛ فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولا بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حولهم إلى الكعبة، شق ذلك على نفوس طائفة من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، فقال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ} أي: المراد إنما هو طاعة الله عز وجل، وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وُجِّه، واتباع ما شرع، فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهة من المشرق إلى المغرب بِر ولا طاعة، إن لم يكن عن أمر الله وشرعه.
ومن اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وهو أنه لا إله إلا هو، وصدَّق بوجود الملائكة الذين هم سفرة بين الله ورسله، {وَالْكِتَابِ} وهو اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء عليهم السلام، حتى ختمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ الله به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} أي أخرجه، وهو محب له، راغب فيه، {ذَوِي الْقُرْبَى} هم قرابات الرجل، وهم أولى من أعطى من الصدقة، {وَالْيَتَامَى} هم الذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب، {وَالْمَسَاكِينَ} هم الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيعطون ما تسد به حاجتهم، {وَابْنَ السَّبِيلِ} هو المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته، فيُعطى ما يوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرا في طاعة، فيعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف، {وَالسَّائِلِينَ} هم الذين يسألون الناس، فيعطون من الزكوات والصدقات، {وَفِي الرِّقَابِ} هم المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم.
وقوله: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ} أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي، {وَآتَى الزَّكَاةَ} يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنية الرذيلة،ويحتمل أن يكون المراد زكاة المال، {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} كقوله {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد: 20]، وعكس هذه الصفة النفاق.
وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ} أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء، {وَحِينَ الْبَأْسِ} أي: في حال القتال، والتقاء الأعداء، {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أي هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} لأنهم اتقوا المحارم، وفعلوا الطاعات[1].
قال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273].
تفسير الآية:
قوله تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} أي: لا يخفى عليه شيء منه، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمه يوم القيامة، أحوج ما يكونون إليه[2].
قال تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38].
تفسير الآية:
يقول تعالى آمرا بإعطاء ذي {ذَا الْقُرْبَى} أي: من البر والصلة، {وَالْمِسْكِينَ} وهو الذي لا شيء له ينفق عليه، أو له شيء لا يقوم بكفايته، {وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو المسافر المحتاج إلى النفقة، وما يحتاج إليه في سفره، {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} أي: النظر إليه يوم القيامة، وهو الغاية القصوى، {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أي: في الدنيا، وفي الآخرة[3].
ما يستفاد من الآيات:
1- أصول الإيمان هي: الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والأنبياء، واليوم الآخر، ومن الإيمان بالله الإيمان بالقدر.
2- وجوب إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والوفاء بالعهود، والصبر في حالي الفقر، والمرض، وعند القتال.
3- فضيلة الوفاء بالعهود.
[1] انظر: تفسير ابن كثير (1 /485-489).
[2] انظر: تفسير ابن كثير (1 /707).
[3] انظر: السابق (6 /318).
______________________________________________________
الكاتب: د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
Source link