الأشهر الحرم – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة

إِنَّكُم في هذِهِ الأَيّامِ، تَعيشونَ في الأَشهُرِ الحُرُمِ الثَّلاثَةِ: ذِي القَعدَةِ، وذِي الحِجَّةِ، وشَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، ونعيش أيضًا شهرين من أَشهُرُ الحَجِّ: ذِيْ القِعْدَةِ، وَذِيْ الحِجَّةِ.

عِبادَ اللهِ؛ إِنَّكُم في هذِهِ الأَيّامِ، تَعيشونَ في الأَشهُرِ الحُرُمِ الثَّلاثَةِ: ذِي القَعدَةِ، وذِي الحِجَّةِ، وشَهرِ اللهِ المُحَرَّمِ، ونعيش أيضًا شهرين من أَشهُرُ الحَجِّ: ذِيْ القِعْدَةِ، وَذِيْ الحِجَّةِ، قال ﷺ: «الزَّمانُ قَدِ اسْتَدارَ كَهَيْئَتِهِ يَومَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَواتِ والأرْضَ، السَّنَةُ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْها أرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاثَةٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الحِجَّةِ، والمُحَرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ، الذي بيْنَ جُمادَى وشَعْبانَ». (رَوَاهُ البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ).

 

2- قَالَ تَعَالَى:  {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

 

3- قالَ ابنُ عبّاسٍ – رضيَ اللهُ عنهُما –: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، أي: في جَميعِ الأَشهُرِ، ثمَّ اختَصَّ مِن ذلكَ أَربَعَةً، فَجَعَلَهُنَّ حَرامًا، وعَظَّمَ حُرُماتِهِنَّ، وجَعَلَ الذَّنبَ فيهِنَّ أعظَمَ، والعملَ الصَّالحَ، والأجرَ أعظَمَ. أخرَجَهُ الطَّبَرانيُّ، وغَيرُهُ.

 

4- وَعَنْ قَتَادَةَ – رَحِمَنَا اللهُ وَإِيَّاهُ – قال: (الظُّلْمُ فِي الأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ فِي كُل حَالٍ عَظِيمًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ، فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّمَا تُعَظَّمُ الأُمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ عِنْدَ أَهْل الْفَهْمِ، وَأَهْل الْعَقْل). (أخرَجَهُ الطَّبَريُّ في تَفسيرِهِ).

 

5- عباد الله؛ الْتَزِموا حُدودَ اللهِ تَعالى، وأَقِيموا فَرائِضَهُ، واجتَنِبوا مَحارِمَهُ، وأدُّوا الحُقوقَ الَّتِيْ بينَكم وبينَ رَبِّكُم، والحُقوقَ الَّتِيْ بينَكم وبينَ عِبادِهِ.

 

6- عِبَادَ الله؛ اعلموا أنَّ الظُّلْمَ المنهيَّ عنهُ في قَولِهِ تعالى:  {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36]، يَشمَلُ ظُلمَ النَّفسِ بِارْتِكابِ المَعاصي، أَوْ بِتَركِ الفَرائِضِ والواجِبات، كما يَشمَلُ التَّعدِّي على حُقوقِ الآخَرينَ، سَواءً في أَنفُسِهِم، أو أَعراضِهِم، أو أَموالِهِم. فلا يَجوزُ ظُلمُ النَّفسِ، ولا يَجوزُ ظُلمُ الغَيرِ، وَإِذَا كانَ ظُلمُ النَّفسِ – بإيرادِها مَواردَ المَهاِلِكِ – مُحَرَّمًا، فإنَّ ظُلمَ الغَيرِ أَولى بالتَّحريمِ، وأَشدُّ في الإِثمِ.

 

7- وَقَدْ قَالَ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ – رضيَ اللهُ عنه –:

لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِرًا   **   فَالظُلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَدَمِ 

تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِـهٌ   **   يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَـــمِ

 

8- عِبَادَ الله؛ هذهِ الأشهُرُ الحُرُمُ يجبُ احترامُها، حتّى إِنَّ اللهَ حرَّمَ القتالَ فيها، ومن تعظيمِ اللهِ للحجِّ أَنْ جعلَ من الأشهُرِ الحُرُم: شهرَ ذِيْ القَعدَةِ، الذي يَرحَلُ فيهِ الناسُ إلى الحجِّ، وشهرَ المُحَرَّمِ، الذي يَرجِعُ فِيْهِ الناسُ منَ الحجِّ. فدينُ اللهِ هوَ الدِّينُ القَيِّمُ، والشَّرعُ الكامِلُ المُستقيمُ.

 

9- قالَ ابنُ كثيرٍ – رَحِمَنا اللهُ وإيّاه –: “وإنّما كانتِ الأشهُرُ المُحرَّمَةُ أربعةً: ثلاثَةٌ سَرْد، وواحِدٌ فَرْد، لأجلِ أداءِ مناسِكِ الحجِّ والعُمرَةِ، فحرَّمَ قبلَ أشهُرِ الحجِّ شَهرًا، وهوَ ذو القَعدَةِ، لأنَّهُم يَقعُدونَ فيهِ عنِ القتالِ، وحرَّمَ شَهرَ ذي الحِجَّةِ لأنَّهُم يُوقِعونَ فيهِ الحجَّ، ويَشتَغِلونَ فيهِ بأداءِ المناسِكِ، وحرَّمَ بعدَهُ شَهرًا آخرَ، وهوَ المُحَرَّمُ، لِيَرجِعوا فيهِ إلى أَقصى بِلادِهِم آمِنين، وحرَّمَ رَجَبَ في وسطِ الحَولِ، لأجلِ زيارةِ البيتِ، والاعتمارِ بهِ، لِمَن يَقدُمُ إليهِ من أَقصى جَزيرةِ العَرَبِ، فيَزورُهُ، ثمَّ يعودُ إلى وَطنِهِ فيهِ آمِنًا”.ذَكَرَ ذلكَ في تَفسيرِهِ.

 

10- عِبادَ اللهِ؛ إنَّ الواجبَ على أهلِ الإسلامِ، أُمَّةِ خيرِ الأنامِ محمدٍ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يُعظِّموا كُلَّ ما عظَّمَهُ اللهُ -جلَّ وعَلا- تعبُّدًا للهِ، وطلبًا لرِضاهُ -جلَّ في عُلاه-.

 

11- عبادَ اللهِ؛ ينبغي أن يُنشَّأَ الصِّبيَةُ والصِّغارُ على هذا الاحترامِ والتعظيمِ، مُراعاةً لحُرمةِ هذهِ الشُّهورِ العِظامِ؛ فيُقالَ لهم: تَنَبَّهوا، واجتَنِبوا المُحرَّماتِ، فإنَّا في الأشهُرِ الحُرُم؛ حتّى يَنشَأَ صِغارُ المُسلِمينَ على تعظيمِها، ومُراعاةِ حُرمتِها.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاِتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عِبَادَ الله؛ مَنْ تَأَمَّلَ التَّاريخَ القَريبَ، إلى ما قَبل تَوحيدِ هذهِ الجَزيرَةِ المُبارَكةِ، على يَدِ مُوَحِّد دولتنَا – حَرَسَها الله – المَلكِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ آلِ سُعودٍ – طيَّبَ اللهُ ثَراهُ، وجعلَ الجَنَّةَ مَثواهُ – رَأَى حالًا مُؤلِمًا كانَ يَعيشهُ الناسُ، لَاسِيَّمَا فِيْ وقتِ الحجِّ والعُمرَةِ. فَفِيْ ذَلِكَ الزَّمانِ، كانَ مَن يَخرُجُ من أهلِهِ حاجًّا أو مُعتمِرًا، يُعدُّ في خُروجِهِ مَفقودًا، وإذا عادَ إلى أهلِهِ بعدَ أداءِ نُسُكِهِ، عُدَّ عَودُهُ كأنَّهُ عَودُ مَولودٍ. فكانوا يقولون: “الخارجُ للحجِّ مَفقودٌ، والعائدُ منهُ مَولودٌ”، وَذَلِكَ لِعِظَمِ ما يَلقاهُ الحُجّاجُ من سُوءِ الأَحوالِ: مِن نَهبٍ، وسَلبٍ، وعُدوانٍ على الحُجّاجِ، وقَطعٍ للطَّريقِ، حَتَّى إنَّ الحاجَّ لم يكن يأمَنُ على نَفسِهِ، ولا على مالِهِ، ولا على عِرضِهِ. بل بَلغَ الحالُ ببعضِهِم أن تعرَّضوا في طريقِهِم إلى مكّةَ، إلى أن جُرِّدوا من كُلِّ ما يَملِكونَهُ، حتّى من ثِيابٍ كَانُوا يَسترونَ بها عَوراتِهِم. ومِنهم من أُخِذَ في طريقِ الحجِّ، وبِيعَ في سوقِ الرّقيقِ! إلى غيرِ ذلكَ من المآسي المُؤلِمَةِ، والمِحنِ الجَسيمَةِ، التي كانت تُصيبُ الناسَ في طريقِهم إلى بيتِ اللهِ الحَرامِ.

 

وقد صوَّرَ أميرُ الشُّعراءِ أحمدُ شوقي – رَحِمَنا اللهُ وإيّاه – تِلكَ الأحوالَ المُؤلِمَةَ فِيْ زَمَانِهِ، في قصيدتِهِ الشَّهيرةِ، والطَّويلةِ، التي ذَكَرَ فيها مآسيَ الحُجّاجِ، في رِحابِ بيتِ اللهِ الحَرامِ، من ظُلمٍ، واعتداءٍ، وَذَلِكَ قبلَ تَوحيدِ المملكةِ، على يَدِ المُؤسِّسِ – رَحِمَهُ الله – ومِمّا قالَهُ:

ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَـــرَمُ   **   وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَـــــمُ 

قَد مَسَّها في حِماكَ الضُرُّ فَاِقضِ لَها   **   خَليفَةَ اللَهِ أَنتَ السَيِّدُ الحَكَـــــــــــمُ 

أُهينَ فيها ضُيوفُ اللَهِ وَاِضطُهِـدوا   **   إِن أَنتَ لَم تَنتَقِم فَاللَهُ مُنتَقِــــــــــــمُ 

أَفي الضُحى وَعُيونُ الجُندِ ناظِــرَةٌ   **   تُسبى النِساءُ وَيُؤذى الأَهلُ وَالحَشَـمُ 

وَيُسفِكُ الدَمُ في أَرضٍ مُقَدَّسَــــــةٍ   **   وَتُستَباحُ بِها الأَعراضُ وَالحُــــــــــرَمُ 

الحَجُّ رُكنٌ مِنَ الإِسلامِ نُكبِـــــــــرُهُ   **   وَاليَومَ يوشِكُ هَذا الرُكنُ يَنهَــــــــدِمُ 

                  _____  فَمَن أَرادَ سَبيلًا فَالطَريقُ دَمُ  ________

__________________________________________________________
الكاتب: الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الحياة الحافلة لزبيدة زوجة هارون الرشيد

منذ حوالي ساعة صاحبة اليد البيضاء وساقية الحجيج.. حوّلت عاصمة حكمها إلى مركز للعلوم والثقافة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *