ا أحوجنا ونحن نستقبل عاماً جديداً إلى فتح صفحة بيضاء نصطلح فيها مع بعضنا فنحسن التعامل فيما بيننا ونصفي قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء .. فيعفوا الأخ عن أخيه ويسامح الجار جاره ويعطف الصغير على الكبير ويقوم كل فرد منا بواجباته والتزاماته ونصلح ذات بيننا ونعصم دمائنا ونحفظ أموالنا وأعراضنا
الحمدُ لله إليه تصير الأمور، وبيدِه تصريفُ الدّهور، أحمده سبحانه وأشكره، عمَّ الخلائقَ فضلُه وإحسانه، ووسِع المذنبين عفوُه وغفرانُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، عظُم شأنه وعزّ سلطانه وجل ثناءه وتقدست أسمـــاءه، …
ولدتـك أمـك يا ابن آدم باكيـاً … والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكـوا … في يوم مـوتك ضاحكاً مسروراً
وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله، بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً
يا خير من جاء الوجود تحيــــــة ** من مرسلين إلى الهدى بك جـاؤوا
بك بشر الله السماء فزينــــــــــت ** وتوضعت مسكا بك الغبــــــــــراء
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى ** وفعلت ما لا تفعل الأنــــــــــــــواء
وإذا عفوت فقادرا ومقــــــــــدرا ** لا يستهين بعفوك الجهـــــــــــــلاء
وإذا رحمت فأنـــــــــت أم أو أب ** هذان في الدنيا هما الرحمــــــــاء …
صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آلة وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعــد: عبـــــــاد الله: – دخـل أبو الدرداء رضي الله عنه الشام فقال:يا أهل الشام، اسمعوا قول أخٍ ناصح، فاجتمعوا عليه فقال:ما لي أراكم تبنون ما لا تسكنون وتجمعون ما لا تأكلون؟! إن الذين كانوا من قبلكم بنوا مشيدًا وأملوا بعيدًا وجمعوا مثيرًا، فأصبح أملهم غرورًا وجمعهم ثبورًا ومساكنهم قبورًا..) وصدق الله إذ يقول ( {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} ) ( [الحديد:20]..
إن رحيل الأيام والشهور والسنين من حياة الإنسان إنما هي بمثابة رحيل عمر هذا الإنسان في هذه الأرض وانتهاء حياته وانتقاله إلى الدار الآخرة فكم رأينا في عامنا المنصرم من بنَى وسكَن غيرُه، وجمع وأكل وارثه، وتعب واستراح من بعدَه. إن تعاقب الشهور والأعوام على العبد قد يكون نعمة له أو نقمة عليه، فطول العمر ليس نعمة بحدّ ذاته، فإن طال عمر العبد ولم يعمره بالخير فإنما هو يستكثر من حجَج الله تعالى عليه. أخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «خير الناس من طال عمره وحسن عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله» ).. وإن من أعظم الغفلة أن يعلم الإنسان أنه يسير في هذه الحياة إلى أجله، ينقص عمره، وتدنو نهايته، وهو مع ذلك لا يحتسب ليوم الحساب، ولا يتجهز ليوم المعاد، يؤمل أن يعمر عمر نوح، وأمر الله يطرق كل ليلة، والواعظ يقول له:
يـا راقدَ الليـل مسرورا بأوله … إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
لقد ذهب عامكم شاهدًا عليكم أو لكم، فهيئوا زادًا كافيا، وأعدوا جوابا شافيا، واستكثروا في أعماركم من الحسنات، وتداركوا ما مضى من الهفوات، وبادروا فرصة الأوقات قبل أن يفاجئكم هادم اللذات، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لرجل وهو يعظه : ” «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» ” (صحيح الجامع ( 1077 )
نسير إلى الآجـال فِي كل لحظـة … وأعمارنا تطوَى وهنَّ مراحل
ترحل من الدنيـا بزاد من التقــى … فعمرك أيـام و هنَّ قلائـــــل
عبـــــــاد الله : –
إن الوقت والزمن يعتبر أنفس وأثمن ما يملك الإنسان، فهو الوعاء الحقيقي لكل عمل وإنتاج، وبقدر إفادة الإنسان من هذه النعمة التي أنعم الله بها عليه، بقدر ما يعود ذلك عليه وعلى مجتمعه بالنفع والخير، سواء أكان ذلك في الدنيا أم في الآخرة ؛ ولذلك ينبغي على الإنسان أن يعرف شرف زمنه، وقـدر وقته، فـلا يضيع منه لحظة في غير قربة وطاعـة، وعمل ومنفعة وخير وعطاء وما عمر الإنسـان في حقيقته إلا مجموعة من الأيام، وكل يوم يمضي من هذه الأيام، وكـل لحظة تمر لا يمكـن استعادتها أو تعويضها. وفي ذلك يقول الحسـن البصري رحمه الله: “يـا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”. ويقول: “ما من يوم ينشق فجره، إلا وينادي: يا ابن آدم، أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني إذا مضيت لا أعود إلى يوم القيامة” وما أجمل قول الشاعر:
دقـــــات قلـــــب المــــرء قائلــــة لــــه … إن الحيـــــــاة دقــــــــائق وثـــــــواني.
فما أحوجنا اليومَ ونحنُ نستقبلُ عامًا جديدًا إلى فتحِ صفحةٍ بيضاء, نصطلحُ فيها مع اللهِ سبحانه الذي أمهلَنا كثيرًا, وصبرَ علينا طويلاً, ومنحنَا الفرصةَ تلوَ الفرصة، قال تعالى ( {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ) [الشعراء:132-135] .. فنؤدي الفرائض ونتزود من النوافل ونتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة ونتوب من الذنوب والمعاصي والتقصير والهفوات ونتمثل الإسلام عقيدة وسلوكا وعملاً وقولاًً.. قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] ) ما أحوجنا ونحن نستقبل عاماً جديداً إلى فتح صفحة بيضاء نصطلح فيها مع بعضنا فنحسن التعامل فيما بيننا ونصفي قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء ..
فيعفوا الأخ عن أخيه ويسامح الجار جاره ويعطف الصغير على الكبير ويقوم كل فرد منا بواجباته والتزاماته ونصلح ذات بيننا ونعصم دمائنا ونحفظ أموالنا وأعراضنا ونوحد كلمتنا وندرك مخططات أعدائنا ونبني أوطاننا بالعلم والعمل والعطاء والإنجاز .. وليكن كل فرد من أفراد المجتمع مفتاحاً للخير إماماً في الهدى لا يرى منه إلا كل جميل ذلك أن الناس معادن كل واحد منهم له قيمته ومنزلته عند الله وعند خلقه بما يحمل بين جوانحه من قيم وأخلاق وأهداف تعبر عن شخصيته عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه» (حسنه الألباني بطرقه، السلسلة الصحيحة ح1322) .. اللهم بصرنا بعيوبنا وأصلح ما فسد من أحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاَ.. قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطــــبة الثانــية : –
عبــــــــاد الله :-
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن عمله ماذا عمل فيه» (صحيح الترغيب والترهيب ) (3593) .. فحري بالإنسان أن يعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وليحذر من إهدار وقته – حياته – في معصية الله، أو فيما لا يعود عليه نفعه في الدنيا والآخرة، بل عليه أن يستغل كل ساعات حياته في طاعة الله، وفيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، وهذا عام جديد وأمل جديد ينبغي أن نستعد له بالعزم والعمل ونتفاءل بقدومه وبما أودع الله فيه من خيرات وبركات.. فأحسنوا العمل وأحسنوا الظن وشمروا عن ساعد الجد واسألوا الله من فضله وتزودوا من أعماركم وايامكم.. اللهُمَّ إنَّا نسألُك إيمانًا يُباشرُ قُلوبنا ويقينًا صادقًا وتوبةً قبلَ الموتِ وراحةً بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ والشوق إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة ولا فتنةً مُضلة. اللهُمَّ زينَّا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مُهتدين، لا ضاليَن ولا مُضلين، بالمعروفِ آمرين، وعن المُنكرِ ناهين يا ربَّ العالمين اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وترك المنكرات، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.. اللهم احقنا دمائنا واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين وردنا إلى دينك رداً جميلا.. هذا وصلوا رحمكم الله على النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارضَ اللهم عن الأئمة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين والحمد لله رب العالمين.
_________________________________________________________
الكاتب: حسان أحمد العماري
Source link