احترام العوالم – طريق الإسلام

إنَّ فكرة «احترام العوالم» فكرة نبيلة؛ لأنها تصقل جوهر الإنسان فينا، وتمنحُ النَّفسَ شرفًا يؤمنُ بحقَّ الآخر في الوجود.

يشغلني دومًا المسكوت عنه في حكايا النَّمل؛ تمتماتهم المختلطة، أنينهم الخفي؛ حين تهوي عليهم ممسحة أو يد غليظة، فتمحو آثارهم، وتهدم بنيانهم، وتطوي صفحة المئات في خفقةِ طرف. نفعلُ ذلك ونحنُ لا نشعر بوجودهم، لا نكترثُ لعوالمهم، كأنها عدم.

فحاجز الفهم يبهتُ المعنىٰ في النفوس؛ ولذا، حين يقدم الإنسان علىٰ إبادة قبيلة نمل، يفعل ذلك من وهمِ السَّيادة، كأنَّ الأرض التي يحيا فوقها هي الكون كلّه! في حين أنه لا يزيد عن كائنٍ في بقعةٍ ضئيلة، تشبه تمامًا بقعة النمل التي لا نراها!

ولتنهض الحوادث شاهدة ببرهانِ هذا المعنى؛ تجيء الكوارث الطبيعية فتمسح القرى والمدن كما نمسحُ نحن قرى النمل، دون أن تكترثَ بنا؛ لا نعني لها شيئًا، إذ لسنا إلا قشرة خفيفة علىٰ وجه الكون، تهتزُّ متى ما زحفَ عليها زاحف هادر، حتى تختلط العوالم بين سيدٍ في نظر نفسه، ومطحونٍ تحت رحمة سيدٍ آخر!

إنَّ فكرة «احترام العوالم» فكرة نبيلة؛ لأنها تصقل جوهر الإنسان فينا، وتمنحُ النَّفسَ شرفًا يؤمنُ بحقَّ الآخر في الوجود، ويصغي إليه ولو كانَ في دكة بعيدة من عالمه الخاص، ولو لم يكن من جنسِ البشر، فكيفَ إذا كانَ من بني الإنسان؟ فلا تمحُ عوالم القرى بدعوى عظمة المدن، ولا يستنكف صاحب المعرفة عن عوالمِ البسطاء ممن يعيشون علىٰ حافة الحياة، ولا ينكر المختلفون في المذهب أو الفكر حقَّ بعضهم في التنفس تحتَ شمسِ الله.

اقترب من تلكَ العوالم، جرِّب أن تفهم كنهها وطريقتها في العيش، ولا تمسحها كما نمسح قرى النمل، في كل مرة، دونَ أن يطرفَ لنا جفن، وكأنَّ خرابَ العوالم الأخرى لا يخصّنا، مع أنه أوشك أن يكون صورتنا في مرآةِ الغيب.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا – طريق الإسلام

(أن النفس إن تُركت لهواها تاهت ، وإن قيدت بالحزم سمت). كان الشيخ ابن عثيمين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *