تفسير آية: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} في الثناء على الصحابة
قال الله تعالى: { {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}} [الفتح: 29].
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}
أي: محمد رسول من عند الله بلا شك، يدعو الناس إلى توحيد الله وطاعته([1]).
{وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
أي: وأصحاب محمد الذين هم معه على دينه غليظة قلوبهم على الكفار المحاربين لا يلينون لهم، أرقاء القلوب فيما بينهم، يوادون المؤمنين، ويعطفون عليهم، ويلينون لهم([2]).
كما قال تعالى: {{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}} [المائدة: 54].
وقال سبحانه: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}} [التوبة: 123].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))([3]).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه([4]).
قال الزمخشري: (من حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التشدد، وهذا التعطف، فيتشددوا على من ليس على ملتهم ودينهم، ويتحاموه، ويعاشروا إخوتهم في الإسلام متعطفين بالبر والصلة، وكف الأذى، والمعونة، والاحتمال، والأخلاق السجيحة)([5]).
وقال ابن عاشور: (في الجمع لهم بين هاتين الخلتين المتضادتين الشدة والرحمة إيماء إلى أصالة آرائهم، وحكمة عقولهم، وأنهم يتصرفون في أخلاقهم وأعمالهم تصرف الحكمة والرشد، فلا تغلب على نفوسهم محمدة دون أخرى، ولا يندفعون إلى العمل بالجبلة وعدم الرؤية)([6]).
{{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}}
أي: ترى أصحاب محمد مداومين على صلاتهم، مكثرين منها، راكعين أحيانا، وساجدين أحيانا([7]).
كما قال تعالى: {{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}} [الفرقان: 64].
وقال سبحانه: {{أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}} [الزمر: 9].
وقال عز وجل: {{كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}} [الذاريات: 17، 18].
وقال تبارك وتعالى: {{الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ}} [المعارج: 23].
وعن المخارق قال: خرجنا حجاجا، فلما بلغنا الربذة قلت لأصحابي: تقدموا، وتخلفت، فأتيت أبا ذر، وهو يصلي، فرأيته يطيل القيام، ويكثر الركوع والسجود، فذكرت ذلك له، فقال: ما ألوت أن أحسن، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من ركع ركعة أو سجد سجدة رفع بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة» ([8]).
وعن عميرة بن عبد الرحمن عن يحيى بن حسان الكندي عن أبي ريحانة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكوت إليه تفلت القرآن ومشقته علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((لا تَحْمِل عليك ما لا تطيق، وعليك بالسجود)). قال عميرة: فقدم أبو ريحانة رضي الله عنه عسقلان، فكان يكثر من السجود))» ([9]).
{{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}}
أي: يطلب أصحاب محمد بجهادهم، وتراحمهم فيما بينهم، وصلاتهم أن يتفضل الله عليهم برحمته وإدخالهم جنته، وأن يرضى عنهم، فهم مخلصون لله في أعمالهم([10]).
كما قال تعالى: { {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}} [التوبة: 71، 72].
{{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}}
أي: علامة أصحاب محمد في وجوههم من أثر سجودهم في صلاتهم، ففي وجوههم في الدنيا نور وخشوع وسمْت حسن، وينور الله وجوههم يوم القيامة([11]).
كما قال تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [التحريم: 8].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الصحابة قالوا: يا رسول الله أتعرفنا يوم القيامة؟ قال: ((نعم، لكم سِيْما ليست لأحد من الأمم، تردون عليَّ غرا محجلين من أثر الوضوء))([12]).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « ((إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء))» ([13]).
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((الصلاة نور))» ([14]).
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «((إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة))» ([15]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ}} قال: (السمت الحسن)([16]).
وعن مجاهد في قوله تعالى: {{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}} قال: (الخشوع والتواضع)([17]).
وعن خالد الحنفي في قوله: {{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}} قال: (يعرف ذلك يوم القيامة في وجوههم من أثر سجودهم في الدنيا، وهو كقوله: {{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} } [المطففين: 24])([18]).
وعن سعيد بن جبير في قوله: {{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}} قال: (ثرى الأرض، وندى الطهور)([19]).
{{ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}}
أي: هذا الوصف لأصحاب محمد من الشدة على الكفار، والتراحم فيما بينهم، وكثرة صلاتهم، وإخلاصهم وصدق نياتهم، وسيماهم في وجوههم؛ صفتهم في التوراة([20]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}} قال: أصحابه {،{مَثَلُهُمْ} } يعني: نعتهم مكتوبا في التوراة والإنجيل، قبل أن يخلق السماوات والأرض)([21]).
{{وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}}
أي: وصفة أصحاب محمد في الإنجيل كزرع أخرج صغاره من الفروع والورق التي تنبت حول أصله([22]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، حدثوني ما هي؟)) قال: فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟! قال: ((هي النخلة))» ([23]).
وعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «((لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته))([24]).»
وعن عطاء الخراساني في قوله عز وجل: {{كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ}} قال: (شطأه: ورقه)([25]).
{{فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ}}
أي: فقوَّى الزرعَ ورقُه الذي نبت حول أصله، فغلظ الزرع، وتناهى طوله، وبلغ غاية قوته، وقام على أصوله([26]).
كما قال تعالى: { {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} } [الأنفال: 62، 63].
وعن الضحاك في قوله تعالى: { {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} } قال: (يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، يكونون قليلا، ثم يزدادون ويكثرون ويستغلظون)([27]).
قال ابن عاشور: (هذا يتضمن نماء الإيمان في قلوبهم وبأنهم يدعون الناس إلى الدين حتى يكثر المؤمنون كما تنبت الحبة مائة سنبلة وكما تنبت من النواة الشجرة العظيمة)([28]).
{{يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ}}
أي: يعجب الزرع الذي استغلظ فاستوى على سوقه في حسن نباته الذين زرعوه([29]).
كما قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))([30]).
{{لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}}
أي: إنما كثَّر الله أصحاب نبيه وقواهم ليغيظ بهم الكفار حين يرون كثرتهم وقوتهم([31]).
كما قال تعالى: {{وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ}} [آل عمران: 119].
وقال سبحانه: {{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } {{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}} [النساء: 51 – 54].
وقال عز وجل: {{وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}} [التوبة: 120].
وقال جل وعز: {{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}} [الحج: 72].
وقال عز شأنه: {{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}} [المنافقون: 7].
وعن أبي عروة الزبيري قال: كنا عند مالك فذكروا رجلا ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: {{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}} [الفتح: 29]، فقال مالك: (من أصبح وفي قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته الآية)([32]).
قال ابن تيمية: (قوله تعالى: {{ليغيظ بهم الكفار}} فلا بد أن يغيظ بهم الكفار، وإذا كان الكفار يغاظون بهم فمن غِيظ بهم فقد شارك الكفار فيما أذلهم الله به، وأخزاهم وكبتهم على كفرهم، ولا يشارك الكفار في غيظهم الذين كبتوا به جزاء لكفرهم إلا كافر)([33]).
قال ابن القيم: (مغايظة الكفار غاية محبوبة للرب مطلوبة له، فموافقته فيها من كمال العبودية، وشرع النبي صلى الله عليه وسلم للمصلي إذا سها في صلاته سجدتين، وقال: ((إن كانت صلاته تامة كانتا ترغيما للشيطان))، وسماها المرغمتين. فمن تعبد الله بمراغمة عدوه، فقد أخذ من الصديقية بسهم وافر، وعلى قدر محبة العبد لربه وموالاته ومعاداته لعدوه يكون نصيبه من هذه المراغمة)([34]).
وقال ابن كثير: (من هذه الآية انتزع الإمام مالك -رحمه الله، في رواية عنه- بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك. والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم)([35]).
{{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}}
أي: وعد الله الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحة التي أمرهم بها الله من أصحاب النبي ومن اتبعهم على الإيمان والعمل الصالح مغفرة لذنوبهم، وثوابا عظيما في الجنة([36]).
كما قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 9].
وقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه))([37]).
قال الماتريدي: (فيه نقض قول الباطنية والروافض لقولهم: إنهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا وارتدوا عن الإسلام جميعا، في الآية رد لقولهم؛ لأنه وعد لهم المغفرة وما ذكر من الأجر العظيم، فلا يحتمل أن يكونوا على ما ذكر أولئك، ثم تكون لهم المغفرة وما ذكر من الأجر العظيم؛ فدل ما ذكر من الوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم أنهم ثبتوا على ما كانوا من قبل في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حياته)([38]).
وقال ابن كثير: (كل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل)([39]).
قلت: ختم الله هذه الآية الكريمة بوعدٍ كريمٍ أنه يغفر ذنوب الصحابة رضي الله عنهم، فهنيئا لهم هذا الوعد الصادق: مغفرة الذنوب، مع الأجر العظيم.
وقد أثنى الله على الذين جاءوا من بعد الصحابة إذا كانوا يسألون الله أن يغفر لهم ذنوبهم، ويسألونه أيضا أن يغفر لأصحاب نبيه ذنوبهم، فلا معصوم من الذنوب إلا الأنبياء، ولا أحد يستغني عن رحمة الله ومغفرته، قال الله سبحانه: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8- 10].
([1]) يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/ 140)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 360)، ((تفسير علوان)) (2/ 339).
([2]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 321)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 146)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 360)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795)، ((التحرير والتنوير)) (26/ 204).
([3]) رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) واللفظ له.
([4]) رواه البخاري (2446) واللفظ له، ومسلم (2585).
([5]) ((الكشاف)) (4/ 347).
([6]) ((التحرير والتنوير)) (26/ 205).
([7]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 321)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 146)، ((تفسير ابن عطية)) (5/ 141)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 361)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795).
قال ابن عاشور: (الخطاب في {تَرَاهُمْ} لغير معين، بل لكل من تتأتى رؤيته إياهم، أي: يراهم الرائي. وإيثار صيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك، أي: تراهم كلما شئت أن تراهم ركعا سجدا. وهذا ثناء عليهم بشدة إقبالهم على أفضل الأعمال المزكية للنفس، وهي الصلوات مفروضها ونافلتها) ((التحرير والتنوير)) (26/ 205). وينظر: ((التفسير الكبير)) للرازي (28/ 89).
([8]) رواه أحمد (21308) وصححه الأرناؤوط.
([9]) رواه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2327). قلت: رواته ثقات إلا عميرة بن عبد الرحمن لم أجد له ترجمة، فالله أعلم.
([10]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 321)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 293)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 361)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795).
وجوَّز الماتريدي أن يكون المعنى: يبتغون معيشة ورزقا من الله ليتقووا به على طاعة الله. ((تفسير الماتريدي)) (9/ 318).
([11]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 321، 326)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/ 29)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1014)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 361)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795).
وقال الزمخشري: (المراد بها السِّمة التي تحدث في جبهة السجَّاد من كثرة السجود، وقوله تعالى: {مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} يفسرها، أي: من التأثير الذي يؤثره السجود) ((تفسير الزمخشري)) (4/ 347). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 326).
قال ابن عاشور: (ليس المراد أنهم يتكلفون حدوث ذلك في وجوههم، ولكنه يحصل من غير قصد بسبب تكرر مباشرة الجبهة للأرض، وبشرات الناس مختلفة في التأثر بذلك، فلا حرج على من حصل له ذلك إذا لم يتكلفه، ولم يقصد به رياء) ((التحرير والتنوير)) (26/ 206).
([12]) رواه مسلم (247).
([13]) رواه البخاري (136) واللفظ له، ومسلم (246).
([14]) رواه مسلم (223).
([16]) رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 323).
([17]) رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 323).
([18]) رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 322).
([19]) رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 325).
([20]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 326)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 146)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795)، ((التحرير والتنوير)) (26/ 207).
وقد ذهب ابن حزم إلى أن هذين المثلين المذكورين في الآية مما أخفاه اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل، وجزم بأنه لا يوجد هذان المثلان في التوراة والإنجيل اليوم بعد التحريف الذي وقع فيهما. ينظر: ((الفِصَل)) لابن حزم (1/ 160).
وقال ابن عاشور: (الذي وقفنا عليه في التوراة مما يصلح لتطبيق هذه الآية، هو البشارة الرمزية التي في الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية من قول موسى عليه السلام: جاء الرب من سينا، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة لهم، فأحب الشعب جميع قديسيه، وهم جالسون عند قدمك يتقبلون من أقوالك. فإن جبل فاران هو حيال الحجاز. وقوله: فأحب الشعب جميع قديسيه يشير إليه قوله: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، .. وقوله: قديسيه يفيد معنى: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: 29]، ومعنى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]) ((التحرير والتنوير)) (26/ 207).
وذكر الدكتور منقذ السقار أن في التوراة المترجمة إلى العربية سنة 1841م ما نصه: (واستعلن من جبل فاران، ومعه ألوف الأطهار) ((هل بشر الكتاب المقدس بمحمد صلى الله عليه وسلم؟)) للسقار (ص: 84).
وسأنقل قريبا كلام القنوجي في ذكره أن المثل الثاني موجود إلى اليوم في الإنجيل الذي بأيدي النصارى، والله أعلم.
([21]) رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 327).
([22]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 327)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 289)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 146)، ((تفسير ابن عطية)) (5/ 142)، ((تفسير البقاعي)) (18/ 343)، ((تفسير الألوسي)) (13/ 278، 279)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 398).
قال ابن جرير: (وإنما مثَّلَهم بالزرع المشطئ؛ لأنهم ابتدأوا في الدخول في الإسلام وهم عدد قليلون، ثم جعلوا يتزايدون، ويدخل فيه الجماعة بعدهم، ثم الجماعة بعد الجماعة، حتى كثر عددهم، كما يحدث في أصل الزرع الفرخ منه، ثم الفرخ بعده، حتى يكثر وينمي) ((تفسير ابن جرير)) (21/ 327).
قال الراغب: (شطء الزرع: فروخ الزرع، وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي: في جانبيه) ((المفردات)) (ص: 455). ويُنظر: ((المحكم)) لابن سيده (8/ 85)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 313)، ((حاشية القونوي)) (18/ 99)، ((تاج العروس)) للزبيدي (1/ 281، 282).
قال القنوجي: (هذا المثل الذي أشار إليه القرآن موجود في إنجيل متى ولوقا، وترجمته بالعربية: انظروا إلى زارع خرج للزرع، وبينما هو يزرع سقط بعض البذر في الطريق، فجاءت الطيور ولقطته، وسقط بعضه على الصخر حيث لم يكن التراب كثيراً، وفي ساعته نبت لأنه لم يكن له في الأرض عمق، ولما طلعت الشمس احترق ويبس؛ لأنه لم يكن له أصل، وسقط بعضه في الشوك، فنما الشوك وخنقه، وسقط بعضه في الأرض الطيبة، وأثمر بعضه مائة ضعف، وبعضه ستين، وبعضه ثلاثين، فمن كانت له أذن سامعة فليستمع. انتهى. وهذا هو معنى الآية الكريمة بعينه) ((تفسير القنوجي)) (13/ 121، 122).
([23]) رواه البخاري (62) واللفظ له، ومسلم (2811).
([24]) رواه ابن ماجه (8) وحسنه الألباني.
([25]) رواه أبو جعفر الترمذي في تفسيره (ص: 120).
([26]) يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 413، 414)، ((تفسير ابن جرير)) (21/ 331)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 146، 147)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 362)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795)، ((التحرير والتنوير)) (26/ 208، 209)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 398).
قال القرطبي: (هذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه ضعيفا، فأجابه الواحد بعد الواحد حتى قوي أمره، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا، فيقوى حالا بعد حال حتى يغلظ نباته وأفراخه، فكان هذا من أصح مثل وأقوى بيان) ((تفسير القرطبي)) (16/ 295).
وقال المظهري: (الله سبحانه أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم وحده كالزرَّاع بذر في الأرض، فآمن به أبو بكر وعلي وبلال ورجال متعددون بعدهم منهم عثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وحمزة وجعفر وغيرهم حتى كان عمر متمم أربعين رجلا، كزرع أخرج شطأه، فكان الإسلام في بدوّ الأمر غريبا كاد الكفار يكونون عليه لإمحائه لبدا، لولا حماية الله تعالى، فآزره الله تعالى بمجاهدات الصحابة من المهاجرين والأنصار حين سقوا زرع الدين بدمائهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، لا سيما في خلافة أبي بكر وعمر، فاستوى الدين على سوقه، وظهر على الدين كله، واستغنى عن حماية غيرهم) ((تفسير المظهري)) (9/ 36، 37).
([27]) رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 330).
([28]) ((التحرير والتنوير)) (26/ 208).
([29]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 332)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 295)، ((تفسير السعدي)) (ص: 795).
قال الزجاج: ({الزُّرَّاعَ} محمد عليه السلام والدعاة إلى الإسلام، وهم أصحابه) ((معاني القرآن)) (5/ 29).
وقال ابن كثير: (الصحابة رضي الله عنهم خلصت نياتهم، وحسنت أعمالهم، فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 362).
وقال ابن عجيبة: ({يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} يتعجبون من قوته، وكثافته، وغلظه، وحسن نباته ومنظره، وهو مثل ضربه الله لأصحابه صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام، ثم كثروا واستحكموا، بترقي أمرهم يوما بيوم، بحيث أعجب الناس أمرهم، فكان الإسلام يتقوى كما تقوى الطاقة من الزرع، بما يحتف بها مما يتولد منها) ((تفسير ابن عجيبة)) (5/ 409).
وقال السعدي: (الصحابة رضي الله عنهم هم كالزرع في نفعهم للخلق واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه قد لحق الكبير السابق ووازره وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين الله والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ) ((تفسير السعدي)) (ص: 795، 796).
([30]) رواه البخاري (2652) ومسلم (2533).
([31]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 332)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 147)، ((تفسير ابن عطية)) (5/ 143)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 295).
قال السعدي: ({لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم وهم في معارك النزال، ومعامع القتال) ((تفسير السعدي)) (ص: 795، 796).
([32]) رواه أبو بكر الخلال في ((السنة)) (760) وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/ 327).
قال القرطبي: (لقد أحسن مالك في مقالته، وأصاب في تأويله، فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين .. فالصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة) ((تفسير القرطبي)) (16/ 297، 299).
([33]) ((الصارم المسلول على شاتم الرسول)) (ص: 579).
([35]) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 362). وينظر: ((حاشية الخفاجي على تفسير البيضاوي)) (8/ 69).
([36]) يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 333)، ((تفسير السمرقندي)) (3/ 321)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 295)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 363)، ((تفسير السعدي)) (ص: 796).
قال النحاس: (يجوز أن تكون مِنْ ههنا لبيان الجنس كما قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30]، ويجوز أن تكون للتبعيض أي: وعد الله الذين ثبتوا على الإيمان منهم مغفرا وأجرا عظيما) ((معاني القرآن)) (6/ 518). وينظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (5/ 29، 30).
وقال القونوي: (مِنْ للبيان لا للتبعيض، فلا يكون حجة للطاعنين في الأصحاب بجعل مِنْ تبعيضية، ولا نذكر الصحابة إلا بخير، ونجلهم أجمعين) ((حاشية القونوي)) (18/ 101).
وقال ابن عاشور: (يجوز إبقاؤه على ظاهر المعنى من التبعيض؛ لأنه وعدٌ لكل من يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحاضر والمستقبل، فيكون ذكر مِنْ تحذيرا، وهو لا ينافي المغفرة لجميعهم؛ لأن جميعهم آمنوا وعملوا الصالحات، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم هم خيرة المؤمنين) ((التحرير والتنوير)) (26/ 211).
([37]) رواه البخاري (3673) واللفظ له، ومسلم (2541).
([38]) ((تفسير الماتريدي)) (9/ 320، 321).
([39]) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 363).
Source link