تفسير قوله تعالى: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا .. – محمد بن علي بن جميل المطري

منذ حوالي ساعة

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} [سورة يس: 52].

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} [سورة يس: 52].

قال المفسرون: أي: قال الكفار حين يُبعثون من قبورهم يوم القيامة: يا ويلنا من أيقظنا من منامنا؟!

يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 456، 457)، ((تفسير السمعاني)) (4/ 382)، ((تفسير السعدي)) (ص: 697)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/ 176). 

وقال يحيى بن سلام: (قولهم: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} وهو ما بين النفختين، لا يُعذَّبون في قبورهم بين النفختين، ويقال: إنها أربعون سنة) ((تفسير يحيى بن سلام)) (2/ 813). وينظر: ((البسيط)) للواحدي (18/ 500).

وقال الثعلبي: (قال أهل المعاني: إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار ما عُذِّبوا في القبور في جنبها كالنوم، فقالوا: من بعثنا من مرقدنا؟) ((تفسير الثعلبي)) (8/ 130).

وذهب ابن عطية وابن عاشور إلى أنها تشبيه، قال ابن عاشور: (أطلقوا الرقاد على الموت والاضطجاع في القبور تشبيها بحالة الراقد). ينظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/ 458)، ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (23/ 37).

وقال ابن كثير: (هذا لا ينفي عذابهم في قبورهم؛ لأنه بالنسبة إلى ما بعده في الشدة كالرقاد. وقال أبي بن كعب، ومجاهد، والحسن، وقتادة: ينامون نومة قبل البعث. قال قتادة: وذلك بين النفختين) ((تفسير ابن كثير)) (6/ 581).

وقال الشوكاني: (ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول، وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياما) ((تفسير الشوكاني)) (4/ 429). وينظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/ 270).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين النفختين أربعون))، قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت، ((ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل))، قال: ((وليس من الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة)). رواه البخاري (4935) ومسلم (2955).

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه في قوله: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قال: (ناموا نومة قبل البعث). رواه ابن جرير في تفسيره (19/ 456).

وعن أبي صالح في قوله: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قال: (كانوا يرون أن العذاب يُخفف عن أهل القبور ما بين النفختين , فإذا جاءت النفخة الثانية قالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟!). رواه ابن أبي شيبة (35364).

وهذه بعض الأدلة من القرآن الكريم على إثبات عذاب القبر ونعيمه:

  1. قال الله تعالى عن قوم نوح عليه الصلاة والسلام: {﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾} [نوح: 25]، أي: فبسبب خطيئاتهم أغرقهم الله فأُدخلوا مباشرة نارا يُعذبون فيها في البرزخ، ولم يقل: (ثم أُدخلوا نارا)، بل قال: {فأُدخلوا}، والفاء في اللغة العربية تدل على التعقيب المباشر وليس على التراخي.
  2. قال الله سبحانه عن قوم لوط: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾ [القمر: 38]، أي: مستمر دائم غير منقطع منذ عذبهم الله إلى يوم القيامة.
  3. قال الله عز وجل عن آل فرعون: {﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾} [غافر:46]، فأتباع فرعون غرقوا معه في البحر، وقد أخبرنا الله أنهم يُعذبون في حياة البرزخ كل يوم أول النهار وآخره وقد فنت أجسامهم، ثم يوم القيامة يبعثهم الله ويعيدهم كما كانوا بأبدانهم وأرواحهم، فيُدخلون أشد العذاب في نار جهنم.
  4. قال الله تبارك وتعالى عن أصحاب الأخدود: {﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾} [البروج: 10]، في هذه الآية أخبر الله أن أصحاب الأخدود الذين حرَّقوا المؤمنين والمؤمنات لهم عذابان وليس عذابا واحدا، فعذاب جهنم في الآخرة، وعذاب الحريق في قبورهم.
  5. قال الله سبحانه عن المنافقين من هذه الأمة: { ﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾} [التوبة:101] قال المفسرون: العذاب الأول في الدنيا، والعذاب الثاني في القبور، ثم يردون في الآخرة إلى عذاب عظيم وهو عذاب جهنم.
  6. قال الله عز وجل: {﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ } [البقرة: 154]، هذه الآية تثبت النعيم في البرزخ للشهداء، وأخبرنا الله أننا لا نشعر بنعيمهم حين نراهم قتلى وقد تكون أجسادهم ممزقة، وقد تأكل أجسادهم السباع، وتفنى أبدانهم في الأرض، ومع ذلك أثبت الله لهم نعيم القبر وأخبرنا أن لهم حياة غير حياتهم في الدنيا وإن كنا لا نشعر بذلك، وكذلك من يعذبهم الله في البرزخ لا نشعر بعذابهم.
  7. قال الله تبارك وتعالى: { ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾} [آل عمران: 169 – 171]، هذه الآيات تثبت أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون وهم في البرزخ، وأنهم فرحون بما آتاهم الله من فضله، وأن لهم عقولا يتذكرون بها من خلفهم، فمن كان يُصدِّق بنعيم القبر فيلزمه أن يُصدِّق بعذاب القبر، فالله الذي يُنعِّم المؤمنين الشهداء وهم في قبورهم قادر على أن يعذب الكافرين وهم في قبورهم، والله على كل شيء قدير، {{وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} } [فصلت: 46].


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

اغتيال صوت غزة – عصام البشير

منذ حوالي ساعة إن استهداف خيمة الصحفيين في غزة، وقتل أنس وإخوانه، جريمة حرب مكتملة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *