توسع الحفاظ المتأخرين في رواية الأسانيد – محمد بن علي بن جميل المطري

وفي زمن تدوين الحديث نجد أن الحُفَّاظ المتأخرين يكونون غالبا أوسع رواية للأسانيد من الحفاظ المتقدمين عنهم

الحديث يرويه الصحابي ثم قد يرويه عن الصحابي أكثر من واحد من التابعين، ثم يرويه عن كل واحد من التابعين راو أو راويان أو ثلاثة أو أكثر، وهكذا تكثر الروايات للحديث الواحد، وبعض أحاديث الآحاد جمع بعض أهل الحديث لها مئات الأسانيد مع أنها آحاد تدور على صحابي واحد أو تابعي واحد، وعلماء الحديث يعدون كل إسناد حديثا، سواء كان عن النبي عليه الصلاة والسلام، أو كان عن الصحابة أو التابعين أو تابعيهم، فكل رواية يعدونها حديثا حتى الروايات المكررة بأسانيد متعددة، وكذلك روايات التفسير والفتاوى والزهد ونحو ذلك مما يروونه بالأسانيد عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وفي زمن تدوين الحديث نجد أن الحُفَّاظ المتأخرين يكونون غالبا أوسع رواية للأسانيد من الحفاظ المتقدمين عنهم؛ لأن من عادة المتأخرين أنهم يكتبون جميع أحاديث من تقدمهم شيخا شيخا، فتتسع روايتهم جدا، فمثلا أكبر حفاظ التابعين الأربعة: الزهري وقتادة والأعمش وأبو إسحاق، كان حديث كل واحد منهم ألفي حديث تقريبا، روى الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع عن أبي داود الطيالسي قال: (وجدنا الحديث عند أربعة: الزهري وقتادة والأعمش وأبي إسحاق، ولم يكن عند واحد من هؤلاء إلا ألفين ألفين)، ثم جاء من بعدهم فروى أحاديثهم وأحاديث غيرهم فكثرت رواياتهم، فمثلا حماد بن زيد كان حديثه أربعة آلاف حديث، وسفيان بن عيينة كان حديثه سبعة آلاف، وشعبة كان حديثه عشرة آلاف، وسفيان الثوري كان حديثه ثلاثين ألفا، فهو واسع الرواية جدا، عدد شيوخه أكثر من خمس مائة، وكان يروي عن الثقات والضعفاء، قال الحافظ صالح بن محمد: (سفيان الثوري ليس يتقدمه عندي أحد، يبلغ حديثه ثلاثين ألفا). وعبد الله بن المبارك كان حديثه عشرين ألفا، قال يحيى بن معين: (كان عبد الله بن المبارك صحيح الحديث، وكانت كتبه التي يُحدِّث بها عشرين ألف حديث)، ثم جاء بعد هؤلاء في القرن الثالث الهجري أئمة حفاظ جهابذة، جمعوا أحاديث كل الرواة الذين سبقوهم، وضموا حديث بعضهم إلى بعض، أمثال علي بن المديني وأبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبي زرعة الرازي وأبي حاتم الرازي، فمثلا الإمام البخاري حفظ وعمره ستة عشر عاما جميع أحاديث عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح، وفيها آلاف الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين، فما بالك بما جمعه بعد ذلك من مشايخه الذي بلغ عددهم ألفا وثمانين شيخا؟! قال الإمام البخاري رحمه الله: (صنفت الجامع -أي صحيحه- من ستمائة ألف حديث، في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله). وقال الإمام مسلم عن كتابه الصحيح: (صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة). وقال حنبل بن إسحاق‏:‏ جمعنا أحمد بن حنبل أنا وصالح وعبد الله وقرأ علينا المسند، وقال لنا‏:‏ (هذا كتاب جمعته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً).‏ وقال أبو داود: (كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن).

قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء معلقا على قول أبي داود: (هذه حكاية صحيحة، وكانوا يعدون ذلك بالمكرر والأثر وفتوى التابعي، وإلا فالصحاح لا تبلغ معشار ذلك). 


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

عظات وعبر من الحر الشديد

منذ حوالي ساعة فالسعيد أيها المؤمنون من تزود من حر الدنيا لحر الآخرة، ومن صبر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *