الحضارة الإسلامية تعتبر المرأة حجر أساس في بناء المجتمع، وأن انهيار هذا الحجر يعني انهيار الأمة، فهي الجسر الذي تعبر عليه الأجيال نحو مستقبل أكثر إشراقًا وحرية.
في عالم يتسارع فيه التقدم وتتصارع فيه القيم، تبقى المرأة هي الركيزة الأساس لأي نهضة حقيقية تسعى إليها المجتمعات.
إنّ تثقيف المرأة ليس ترفًا فكريًا، بل ضرورة وجودية تُسهم في بناء إنسانٍ متكاملٍ عقليًا وروحيًا وجسديًا، ومن هنا ينبغي أن يكون هناك برامج واضحة وفعالة، توجه المرأة المسلمة حتى تخوض مع أمتها معركة البقاء، والتطور. وأن يكون حضورها حضوراً فاعلاً مشرفاً، تستلهم فيه سيرة المرأة المسلمة في صدر الإسلام؛ إذ كانت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، رائدة الدعوة في بداياتها، وكانت السند الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم بداية الوحي، وتوالت إسهامات المسلمات في توطيد أركان الدين، ورفد المجتمع بالرجال المقاتلين، والنساء القانتات اللواتي أسهمن في الدعوة بكل قوة، وجسارة، ومَن مٍن الناس لا يعرف دور أم سلمة، وذات النطاقين، ونسيبة، وأم سليم، والقائمة الطويلة من نساء كانت لهن بصمات خالدة في تاريخ الأمة.
واستمر دور المرأة المبارك إلى أن كُبلت بالعادات والتقاليد التي ألقت بظلالها الثقيلة، وأصبحت تعيق خطوات المرأة، وتقيّد طموحاتها، فاستغل أعداء الدين هذه التقاليد البالية، ليلصقوا بالإسلام التهم، ويصوروه على أنه عائق أمام تحرر المرأة، فأثاروا الشبهات، واستغلوا جهل الناس بالدين، واختطوا للمرأة المسلمة خطاً يبعدها عن منابع الدين الصافي، ومهدوا الطريق لتغريبها، عن دينها، وجعلوها سلعة، ونشروا صورها، وقضوا على حيائها، وهتكوا سترها.
المرأة اليوم تحتاج لوقفة جادة حتى تستكشف طريقها، تقول الأستاذة “نبيهة الزبيدي”: “إنّ عدداً كبيراً من فتياتنا اليوم متعلّمات، ولكن من النادر أن نجد فتاةً واصلت بعد ذلك العمل والجدّ كيما تصل إلى كمال حياتها العقلية، والروحية، والجسدية؛ بأن تطّلع على ما تنتج قرائح عصرها من علوم، ومعارف، فهل كوّنت علوم المدرسة شخصيّتها؟ وهل عرفت ـ إذا ما أصبحت زوجةً ـ كيف تكون زوجةً فاضلةً؟ مدبّرةً ملمّةً بمبادئ الصّحة، والاقتصاد والتربية، وهل حاولت تفهّم نفسيّة زوجها؟ وتكييف نفسها ـ ما استطاعت ـ لتمزج روحها بروحه؛ وليتكوّن منهما إنسانٌ كاملٌ يهِبُ نفسه للحياة؟ وإذا ما أصبحت أمّاً فهل عرفت كيف تنشئُ طفلها، وتجعل منه عضواً فعّالاً في المجتمع، بأن تجعل منه شخصيّةً لها كيانها ووجودها؟ وإذا كانت في اجتماعٍ أو حفلٍ، هل فكّرت بأن تتحدّث بما هو أسمى وأجدر من التعرّض لذكر الزّينة، والثياب، وحوادث الزواج، والطلاق؟ وإذا كانت معلّمةً وعهد إليها بتربية الجيل الجديد، هل عرفت كيف تكون مثالاً صالحاً يحتذى؟ وهل سمت بعواطفها فوجّهتها بحيث احترمت من تربّي ليحترمها؟ وهل قدّرت المسؤولية الملقاة على عاتقها فعرفت كيف تغذّي النفوس، والأرواح بكلّ ما يلهب الحماس، والنّشاط، ويبعث على الابتكار، والتّجديد والتضحية، والمساهمة بصدق وإخلاص”.
إنه لمن العار الكبير أن تنساق المرأة المسلمة، وراء النموذج الغربي، والمشاهير التافهين، من دون وعي، في مقابل إغفال النماذج النسائية الراقية التي تجمع بين البساطة، والعمق، والتي كانت ولا زالت في هذه الأمة المباركة.
يجب على المرأة أن تكون مثقفة، لا متعلمة فحسب، وأن تدرك أن الثقافة ليست مجرد اطلاع عابر، بل “جهاد يُسقى بدم القلب“، الفتاة الواعية هي التي ترفض الانسياق وراء مظاهر الحياة الزائفة، وتعمل على بناء شخصيتها من الداخل، من خلال الأخلاق، والتهذيب، والعمل الجاد.
على المرأة أن تعلم أن الجمال الحقيقي لا يُقاس بالشكل وحده، بل بنشاط الجسد، ونبل الروح، ونقاء الفكر، وأن الطريق إلى الكمال لا يكون إلا بالعلم، والقراءة، والاعتزاز بالقيم الإسلامية، والموروث الحضاري.
إننا على يقين أنه لا يمكن لأي أمة أن تحقق نهضتها الحقيقية بمعزل عن المرأة، فهي ليست فقط نصف المجتمع، بل القوة التي تُنجب وتُربي، وتُوجه النصف الآخر.
نريد تكوين شخصية المرأة المسلمة من خلال ثقافة حقيقية، تنبع من أصالتها وارتباطها بدينها، مع أخذ الواقع في الحسبان، مما يخدم المجتمع، ويتماهى مع الروح العصر من غير تنازل عن المسلمات الشرعية.
على فتيات اليوم أن يدركن أن التاريخ لا يعرف ديناً، ولا نظاماً كرّم المرأة باعتبارها أمّاً، وأختاً، وبنتاً، وزوجة، وأعلى من مكانتها، مثل الإسلام، لقد أكد الوصية بها، وجعلها تالية للوصية بتوحيد الله، وعبادته، وجعل برّها من أصول الفضائل، كما جعل حقها، أوكد من حق الأب؛ لما تحتمله من مشاق الحمل، والوضع، والإرضاع، والتربية، وهذا ما يقرره القرآن، ويكرره في أكثر من سورة؛ ليثبته في أذهان الأبناء، ونفوسهم، وذلك في مثل قوله تعالى { {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} }[لقمان:14].
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : ( «مَن عالَ ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ، أو يَموتَ عنهنَّ؛ كنتُ أنا وهوَ في الجنَّةِ كَهاتينِ، وأشار بأُصْبُعيهِ السبَّابةَ والتي تلِيهَا» )؟” (رواه ابن حبان) “.
لقد كرم الإسلام المرأة أيما تكريم، وجعلها شريكة الرجل، فالنساء عندنا شقائق الرجال، والخطاب الشرعي موجه للرجل والمرأة معاً، فمن عمل صالحا أفلح سواء كان امرأة أو رجلاً، وبالتالي المرأة عنصر كامل الأهلية يقوم بدوره في إعمار الأرض، وإصلاح حال الناس، وقد حدد الشرع المبارك للمرأة واجبات، وأعطاها حقوقاً كاملة غير منقوصة، وعليها أن تأخذ التوجيهات الربانية، وتعلم أن الشارع الحكيم صانها من كل ما يدنس شرفها، وحماها من ذئاب النفوس، بما شرّع لها من لباس، وعمل، وحرم عليها الاختلاط حتى لا تكون لقمة سائغة للمفترسين، وواجبها أن ترضى بشرعة الله حتى تعيش عيشة الهناء، وتختم ختام السعداء.
الحضارة الإسلامية تعتبر المرأة حجر أساس في بناء المجتمع، وأن انهيار هذا الحجر يعني انهيار الأمة، فهي الجسر الذي تعبر عليه الأجيال نحو مستقبل أكثر إشراقًا وحرية.
Source link