أيهما أصح؟؟؟ – محمد بن علي بن جميل المطري

منذ حوالي ساعة

أيهما أصح: (تُعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس) أو (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس)؟

أيهما أصح: (تُعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس) أو (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس)؟

روى الإمام مسلم في صحيحه (2565) هذا الحديث بلفظين، ومخرج الحديث واحد:

اللفظ الأول: (تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس) رواه مسلم من طريق مالك بن أنس وجرير وعبد العزيز الدراوردي عن سُهيل بن أبي صالح عن أبيه  عن أبي هريرة.

واللفظ الثاني: (تُعرَض الأعمال في كل يوم خميس واثنين) رواه مسلم من طريق سفيان بن عيينة ومالك بن أنس عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة.

قال الحافظ الذهبي في كتابه من تُكلِّم فيه وهو موثَّق (ص: 96): “سهيل بن أبي صالح أحد العلماء الثقات، وغيره أقوى منه، وقد روى عنه مالك، قال البخاري: سمعت عليًّا [هو ابن المديني] يقول: كان قد مات له أخٌ فوجد عليه، فنسي كثيرًا من حديثه، قال الحاكم: قد يجد المتبحر في الصَّنعة ما ذكره عليٌّ، أخرجه مسلم في الأصول وفي الشواهد”.

وفي جامع معمر بن راشد (11/ 168) المطبوع في آخر مصنف عبد الرزاق الصنعاني (20226): أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(تفتح أبواب الجنة في كل اثنين وخميس)» ، وقال غير سُهيل: «(تُعرَض الأعمال كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل عبد لا يشرك به شيئًا إلا المتشاحنين يقول الله للملائكة: دعوهما حتى يصطلحا)» ،  كذا بيَّن معمر الخلاف في اللفظ بين سهيل وغيره، وهو في مسند أحمد بن حنبل (7639) من طريق شيخه عبد الرزاق الصنعاني بهذا اللفظ، وفيه قول معمر: وقال غير سهيل: (تُعرض الأعمال)، والظاهر أن المحفوظ في الحديث رواية غير سُهيل، وهي: (تُعرض الأعمال)، فمسلم بن أبي مريم عند علماء الحديث أوثق من سُهيل، ومخرج الحديث واحد، كلاهما روى الحديث عن أبي صالح عن أبي هريرة، ولا بد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد اللفظين، والراجح أنه قال: (تُعرض الأعمال)، وقد روي عن سُهيل الحديث باللفظين، فروى الترمذي في سننه (747) وحسنه من طريق محمد بن رِفاعة عن سُهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس)، وقال أبو داود الطيالسي في مسنده (2525):  حدثنا وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تُعرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس فيغفر لمن لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلًا بينه وبين أخيه شحناء، يقول: دعوا هذين حتى يصطلحا)، وهذا إسناد صحيح، وهيب بن خالد ثقة ثبت من رجال صحيح البخاري ومسلم، وروى أحمد في مسنده هذا الحديث (9053) عن عفان عن وهيب به، بلفظ: (تُفتح أبواب السماء كل يوم اثنين وخميس)، فقد جاء عن سُهيلٍ رواية الحديث بلفظ: (تُعرض الأعمال)، وبلفظ: (تفتح أبواب الجنة) أو (تفتح أبواب السماء)، والمعروف في السنة النبوية أن فتح أبواب الجنة يكون في شهر رمضان رواه البخاري (1898) ومسلم (1079) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، ورواه أحمد في مسنده (18795) والبيهقي في شعب الإيمان (3329) من طريق عرفجة الثقفي عن رجل من الصحابة مرفوعًا، وأما حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه الثابت مرفوعًا في صحيح مسلم (234) في التشهد بعد الوضوء: «((مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ))» فمعناه: تُفتح له أبواب الجنة يوم القيامة، وليس فتح أبواب الجنة حين يقول المتوضئ الشهادتين بعد وضوئه، قال الرحماني في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 9): “المراد تُفتح له يوم القيامة“، ويُنظر: مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي (1/ 144).

وقد وجدت روايات أخرى تُرجح رواية الحديث بلفظ: (تُعرض الأعمال):

روى الطبراني في المعجم الأوسط (9278) من طريق عمرو بن أبي قيس عن منصور عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:  (تُنسخ دواوين أهل الأرض في دواوين أهل السماء في كل اثنين وخميس، فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئًا إلا رجلًا بينه وبين أخيه شحناء)، وإسناده حسن، فعمرو بن أبي قيس صدوق له أوهام، واللفظ الذي رواه أقرب إلى رواية غير سهيل، فليس فيها فتح الجنة يومي الاثنين والخميس.

وروى الطبراني في المعجم الأوسط (7419) من طريق عبد العزيز بن الربيع قال: حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «(تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس)» ، وإسناده فيه ضعف، ورواه الخطيب البغدادي في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 47) من طريق آخر عن عبد العزيز بن الربيع عن أبي الزبير عن جابر موقوفًا.

وقال أحمد بن حنبل في مسنده (21753): حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا ثابت بن قيس أبو غصن قال: حدثني أبو سعيد المقبري قال: حدثني أسامة بن زيد أن النبي عليه الصلاة والسلام سئل عن صوم يوم الاثنين والخميس فقال: «((ذانك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، وأحب أن يُعرَض عملي وأنا صائم))» ، وحسَّن إسناده الأرناؤوط، وهو في صحيح ابن خزيمة (2119) من طريق شُرحبيل بن سعد عن أسامة بلفظ: «(إن هذين اليومين تُعرض فيهما الأعمال)» ، ورواه أبو داود (2436) من طريق ثالثة أخرى عن أسامة بن زيد مرفوعًا بلفظ: (إن أعمال العباد تُعرض يوم الاثنين ويوم الخميس)، وصححه الألباني، فهذه الروايات ترجح أن اللفظ المحفوظ هو عرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، لا فتح أبواب الجنة فيهما.

ولا يصح أن يُقال: لعل النبي عليه الصلاة والسلام قال اللفظين جميعًا؛ لأن مخرج الحديث واحد، وهو أبو صالح عن أبي هريرة، وخالف سهيلٌ غير واحد من الثقات الذين رووا الحديث عن أبي صالح، ومما يؤكد خطأ سهيل في روايته أن الحديث قد جاء أيضًا من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما بلفظ عرض الأعمال، وإنما يصح أن يقال: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال اللفظين، إذا كان الحديث يروى عن أكثر من تابعي عن صحابي، أو عن جماعة من الصحابة، أما هذا الحديث فظاهرٌ فيه مخالفة سهيل بن أبي صالح لغيره من الرواة، قال السندي في حاشيته على صحيح البخاري (1/ 60): تعدد الروايات إنما يكون من تغيير الرواة ونقلهم الحديث بالمعنى، وإلا فمعلوم أن تمام الروايات المختلفة ليست من كلام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث واحد، والله أعلم.

ولزيادة الفائدة ينظر رسالتي: تعليل أحاديث الصحيحين بين المحدثين والمغرضين، ورسالتي الأخرى: هل كل عالم دوَّن طلابه جميع أقواله ومروياته في العلم؟ وهل كل عالم روى أو كتب جميع علمه؟ وهما منشورتان بحمد الله في شبكة الألوكة، والحمد لله على توفيقه.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

(وأَصلحوا ذات بينكم)

والعفو أقرب للتقوى وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، ولحرارة الصبر وقوة مجاهدته، تكفل الله بأجر العافي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *