منذ حوالي ساعة
إظهار النكير على الكفار ومخططاتهم، وتهيئة النفوس لمواجهتهم ومدافعة عدوانهم، هو واجب على أهل العلم وطلبتِه، وهو من الرُّشد الذي خص الله به المؤمنين في قوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}
انظر مليًّا فيمن حولك من المسلمين: كم عدد الذين يؤمنون حقيقةً بقيم الغرب، حتى بعد أحداث غزة، واتضاح كثير من الحقائق؟
كم هم الذي يستحسنون ما كان حسنًا هناك، ويستقبحون ما كان سيئًا هناك، من عادةٍ أو لباس أو مُنتَج؟
كم نسبةُ الذين يصدّقون بحثًا غربيًا أكثرَ من تصديقهم لحقيقة علميةٍ جاءت في حديثٍ نبوي؟
كم عدد الذين يرون أن ابنهم إذا درسَ في أمريكا فمكانتُه أعلى من شابٍ يدرس عند شيخٍ في معهدٍ شرعيٍّ علمي؟
كم عدد الذين يعملون في مؤسسات غربيَّة عميلة، تؤثر على صنع القرار في بلادنا؟ تلك المؤسسات التي تظهر في صورة تطوير أو تنمية أو عمل خيري، أو تلك التي تؤثر في التعليم أو الإعلام، سواء كانت داخليةً أو خارجية… يعمل فيها كثيرون من بني جلدتنا، هم أبناءُ مجتمعنا، أليسوا ما بين أخٍ أو قريبٍ أو صديقٍ لكثيرٍ منّا؟
دعك من هذا كله، وانظر إلى الذين إذا تكلموا بالإنجليزية بلكنة أمريكية أو بريطانية، شعروا بالتميُّز وارتفاع قيمتهم في نظر المجتمع، هل هم قلة؟
إن أعداد المسلمين – أو المنتسبين للإسلام – الذين يعيشون في حالة انهزام نفسي أكثر مما نتصور. وإذا كنت لم تستشعر من قبل خطر هذا الأمر، فحقّك الآن أن تستشعره، الآنَ عندما كشف الغرب عن وجهه الحقيقي، وأعلن عداوته، وأبدى للقاصي والداني أنه ليس حليفًا لنا، بل هو عدوٌّ صريح، وأنهم في حقيقتهم دولةٌ صهيونية واحدة، يروننا على انقسامنا دولةً عدوّةً واحدة…
نعم، لقد صُدم كثيرٌ من الناس. لكنها لم تكن صدمة حقيقية لمن أبصر، إذ هذه هي الحقيقة التي أدركها العقلاء، وإن خفيت عن الجهلاء.
يبقى السؤال الأهم: هل المسلمون اليوم مستعدون لهذه المواجهة؟ هل لديهم عقيدة ثابتة تهيئهم لخوضها؟
فإذا كان الجواب: “لا”، -وهو كذلك- فمن المسؤول عن إعدادهم؟ ومن الذي تقع عليه مسؤولية الدفاع عن بلادنا وأدياننا أمام عُدوان هؤلاء المرتقَب؟
انظر إلى القرآن -يا قارئ القرآن- وأخبرني كم تجد فيه من كلام عن فساد الكفر والتحذير منه ومن خبث الكفرة ومكائدهم ووجوب مواجهتهم فكريًّا أو عسكريًّا؟
هذا وأنت خبير أنّ دول الغرب اليوم هي رأس الكفر وقيادته:
– فكريًّا (بنشر الفساد الدّينيّ وبثه لدينا في الإعلام والتعليم والتقنين)..
– وعسكريًّا واقتصاديًّا (بإخضاعِ دولنا ومجتمعاتنا لقواهم الإجرامية)..
والسؤال من جديد: على عاتق من تُلقى مهمة مواجهة هذا الكفر الذي حذرنا الله منه ومن أهله؟
إذا لم يقم أهل العلم والقرآن بقيادة هذه المواجهة، فمن الذي يقودها؟
رأيت بعضهم يتذرع لسكوته بأن “الكفر واضح، فلا يحتاج الناس إلى الكلام عن اليهود والنصارى لأن القرآن واضح في حديثِه عنهم”.
وهذا تبريرٌ فاسد، فالوضوحُ والخفاء عند الناس أمرٌ نسبيُّ، والقرآن كرَّر إبطالَ كلامِ فِرعون وإبليسَ ورُؤوس الكُفر، مع ظهور ذلك في الحُجّة والفِطرة، ولا يزالُ أهل العلم يركزون على أهمية بيان الشرك والتحذير منه، مع وضوحه في القرآن.
كما أن الشبهات التي يغبّر بها في وجه المحكمات كثيرةٌ ومستمرة، ولولا ذلك لم نجد اليوم من ينتصر للتطبيع الذي حقيقته إلغاء البراءة والجهاد، ويدافع عنه ويستدل لجوازه، تحت ستار التسامح أو المصلحة.
وقد يتذرع آخرون نفسيًّا بحجةٍ غير معلنة، وهي أن هذه الدول متحالفة مع دولنا، فلربّما كان الكلام فيها من قَبيل الخروج المذموم، والافتئات على المسؤولين!
وهذه حيلةٌ إبليسية، أسكتت كثيرًا من الأفواه القادرة العارفة بالحقّ عن قول الحق وإنكار الباطل!
وهي حجةٌ مبنيةٌ على توسيع دائرة الممنوع وما يسمى خُروجًا، مبالغةً في التحسُّس واستشعار الخطر على الدولة والأمن، والراصدُ لهذا التوجه يترجّح لديه أنه مجرد ردةِ فعل على ما وقع من فسادٍ وضحايا فيما يسمى بالرّبيع العربي، فأدّى ذلك بهم إلى توسيع دائرة المحظور، وتخيّل مفاسد موهومةٍ بعيدة، ولأجل ذلك صارت النصيحة وإنكار المنكر علنًا خروجًا مذمومًا.
ومع ذلك، فنقول: إن مساحةَ الإنكار المتاحَةَ والمسموحَ بها لا تزالُ كبيرة لكثيرٍ من أهل العلم، ومن أراد بصدق، لم يعدَم السبيل.
والخلاصةُ أن إظهار النكير على الكفار ومخططاتهم، وتهيئة النفوس لمواجهتهم ومدافعة عدوانهم، هو واجب على أهل العلم وطلبتِه، وهو من الرُّشد الذي خص الله به المؤمنين في قوله: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]، فمن أراد أن يكون من الراشدين، محققًا محبة الإيمان، وكراهية الكفر والفسوق والعصيان*، فهذا ميدانه، واليومَ أوانه.
والله الموفق.
_________________________________________________
الكاتب: لؤي بن غالب الصمادي
Source link