من مقتضيات كلمة التوحيد – حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

منذ حوالي ساعة

لا إله إلا الله هي مفتاحُ دارِ السعادةِ، وهي أصلُ الدِّينِ وأساسُه ورأسُه وعمودُ فُسطاتِه، وبقيةُ أركان الدين وفرائضِه متفرِّعةٌ عنها مُتشعِّبةٌ منها..”

معاشرَ المسلمينَ: الأصلُ العظيمُ للفوزِ الأبديِّ هو تحقيقُ العبوديَّةِ لله -جل وعلا- قولًا وعملًا واعتقادًا؛ فلأجل تحقيقِ لا إله إلا الله خُلِقَت الدنيا والآخرةُ، وأُعِدَّت الجنةُ والنار؛ يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذَّارِيَاتِ: 56].

لا إله إلا الله هي مفتاحُ دارِ السعادةِ، وهي أصلُ الدِّينِ وأساسُه ورأسُه وعمودُ فُسطاتِه، وبقيةُ أركان الدين وفرائضِه متفرِّعةٌ عنها مُتشعِّبةٌ منها، قال -تعالى-: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[الْبَقَرَةِ: 256]؛ العُروة الوثقَى هي لا إله إلا الله، هذه الكلمةُ العظيمةُ هي كلمةُ التقوى، وهي القولُ الثابتُ، والحقُّ الذي بَعَثَ اللهُ -سبحانه- بها الرسلَ -عليهم الصلاة والسلام-.

إخوةَ الإسلامِ: يجبُ أن يتيقَّنَ قلبُ كلِّ مخلوقٍ بهذه الكلمة، وأَنْ يعلمَ علمًا قاطعًا ويعتقدَ صحةَ معناها اعتقادًا جازمًا فيؤمنَ أنَّها تدلُّ على أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فـ(لا إلهَ) تنفي نفيًا جازمًا جميعَ ما يُعبَدُ من دون الله -جل وعلا-، فلا يستحقُّ العبادةَ، ولا يستحقُّ أن يُعبد إلا اللهُ -جل وعلا-، و(إلا الله) تُثبِتُ العبادةَ الحقَّةَ لله -سبحانه-، فهو الإلهُ المُستحِقُّ للعبادةِ وحدَه، فلا إلهَ بحقٍّ في الوجودِ إلا الله -جل وعلا-، وكلُّ ما عُبِدَ من دونه فهو أبطلُ الباطلِ وأظلمُ الظلمِ، بل الإلهُ الحقُّ هو اللهُ المُتفرِّدُ بالخَلْقِ والرزقِ والإحياءِ والإماتةِ والإيجادِ والإعدامِ، والنفعِ والضُّرِّ والإعزازِ والإذلالِ والهدايةِ والإضلالِ؛ {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[لُقْمَانَ: 30]، فهذه الكلمةُ العظيمةُ تمنعُ منعًا باتًّا، وتحرِّمُ تحريمًا قاطعًا صرفَ أيِّ عبادةٍ من العبادات لغير الله -جل وعلا-، ولو كان مَلَكًا مُقرَّبًا أو نبيًّا مُرسَلًا أو وليًّا من الأولياء، فلا بُدَّ أن يقولَها اللسانُ ويعلمُ معناها مُعتقِدًا به قال -تعالى-: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[مُحَمَّدٍ: 19]، وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: «مَنْ ماتَ وهو يعلمُ أن لا إله إلا الله دخلَ الجنة».

واليقينُ الحقيقيُّ والعلمُ الصحيحُ بمعنى (لا إله إلا الله) يُلزِمُ العبدَ أن يقبلَ مُقتضاها، وأن يلتزِمَ بفرائِضِ اللهِ وتحقيقِ طاعتِه وطاعةِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- مُحقِّقًا غايةَ الحبِّ وكمالَ الذُّلِّ والخُضوعِ لله -سبحانه-، معظِّمًا ربَّه التعظيمَ اللائِقَ، منكسِرَ القلبِ والجوارِح لخالقِه، مُلتجِئًا إلى مولاه وحدَه، خائفًا منه أشدَّ الخوفِ، راجيًّا رحمتَه ورِضوانَه؛ إنه العلمُ المُلازمُ للتصديق، المُستلزِمُ للإذعان والعملِ بحقوقِ لا إله إلا الله؛ مِن التِزامٍ كاملٍ بشرعِ الله -جل وعلا-، واستِسلامٍ تامٍّ لسُنَّةِ نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فَمَنْ قالَها وهو يفعلُ ما يخالفها؛ كدعاء الموتى، أو دعاء الغائبين وسؤالهم في قضاء الحاجات وتفريج الكربات ونحو ذلك فهو مناقض لمدلولها، مخالف لحقيقتها، واقع في الشرك المخرج عن الإيمان والإسلام -عياذًا بالله- من ذلك.

عبادَ اللهِ: لا بدَّ في الالتزامِ بهذه الكلمة العظيمة من يقينٍ لا يدخلُهُ شكٌّ ولا ارتِيابٌ، بل يقولُها اللسانُ مُواطِئًا له القلبُ بيقينٍ جازِمٍ يُصدِّقُهُ العملُ الصالحُ في الظاهر والباطِن، قال -جل وعلا-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}[الْحُجُرَاتِ: 15]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسولُ اللهِ، لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرَ شاكٍ فيهما إلا دخلَ الجنةَ» (رواه مسلم).

لا بدَّ في صحة مدلول هذه الكلمة الطيبة أن يكون القائلُ لها قابلًا لِمَا اقتضته بلسانِه وقلبِه وجوارِحِه، خاضعًا لخالقِه مُقبِلًا على حقوق ربِّه، مُلتزِمًا طاعتَه وطاعةَ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- بكل حبٍّ وتذلُّلٍ واستِسلامٍ وإذعانٍ كاملٍ وانقيادٍ تامٍّ.

معاشرَ المسلمينَ: لا بدَّ من انقيادٍ لِمَا دلَّت عليه كلمةُ لا إله إلا الله؛ بأن يُسلِمَ العبدُ وجهَه لله وحدَه بالقول والعمل؛ {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ}[الزُّمَرِ: 54]، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[لُقْمَانَ: 22].

هذه الكلمةُ العظيمة تعني أن يُصدِّقَ القلبُ ما نطَقَ به اللسانُ، وأن يُصاحِبَه العملُ بالأركان، والابتعاد عن كل ما يُخِلُّ بها أو يُناقِضُها، بل باطِنُه في تصديق المعنى الصحيح لكلمة لا إله إلا الله، يُطابِقُ ظاهرَه على وَفقِ ما جاء في القرآن والسُّنَّة من توجيهاتٍ ساميةٍ، قال -صلى الله عليه وسلم-: «ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله صِدْقًا من قلبِه إلَّا حرَّمَه اللهُ على النار» (مُتفَق عليه).

هذه الكلمةُ الطيبةُ تقتضي أن يُخلِصَ قائلُها لله -جل وعلا-، وأن يُصفِّي قولَه وفعلَه وتوجُّهَه من جميع شوائِب الشركِ والبدعِ المُخالفةِ للسُّنَّةِ؛ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[الْبَيِّنَةِ: 5]، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}[الزُّمَرِ: 11]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أسعدُ الناسِ بشفاعتي يومَ القيامةِ مَنْ قال: لَا إلهَ إلَّا اللهُ خالصًا من قلبِه» ، وفي الصحيحين أنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ اللهَ حرَّمَ على النار مَنْ قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجهَ الله».

هذه الكلمةُ العظيمة تقتضي مِنْ صاحبِها أن يكونَ اللهُ أحبَّ إليه مِنْ كلِّ شيءٍ، غايةَ المحبَّةِ التي تجعلُ العبدَ مُقدِّمًا محابَّ اللهِ على هواه ومحابِّه، وأن يُحِبَّ ما يُحبُّه اللهُ -جل وعلا-، وأن يُبغِضَ ما يُبغِضُه ربُّه -سبحانه-؛ فيوالي أهلَ لا إله إلا الله، ويتبرَّأَ ممَّن كفرَ بها، وأن تكون محبَّةُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعظمَ من محبَّته لنفسِه وأهلِه والناسِ أجمعينَ، محبَّةً لا غُلُوَّ فيها ولا جفاءَ، وعلامةُ ذلك طاعتُه فيما أمَر واجتنابُ ما نهَى عنه وزجَر، وتصديقُه فيما أخبَر، وأن لا يُعبدَ اللهُ إلا بما شرَع -صلى الله عليه وسلم-، وأن يُوالِيَ مَنْ والَى اللهَ ورسولَه، ويُعاديَ مَنْ عادَى اللهَ ورسولَه -صلى الله عليه وسلم-.

عبادَ اللهِ: هذه الكلمةُ (لا إله إلا الله) توجِبُ الكفرَ بعبادة غير الله، فمن دعَا غيرَ الله أو استغاثَ بمخلوقٍ من الأموات، أو استغاثَ بحيٍّ غائبٍ عنه، أو استغاثَ بحيٍّ فيما لا يقدِرُ عليه إلا اللهُ، فهو مُصادمٌ لها لمدلولِ هذه الكلمةِ العظيمةِ، وهكذا كلُّ مَنْ أشركَ مع الله أحدًا في ربوبيَّته أو ألوهيَّته أو أسمائه وصفاته.

فيا أيها المسلمون: علينا أن نلتزمَ بهذه التوجيهات العظيمة، ولنحرِصْ أشدَّ الحرص على توحيدِنا لخالقنا؛ فهو الرُّكنُ الرَّكينُ للسعادةِ، والشرطُ الأوحدُ لدخولِ الجنةِ.

جعلَنا اللهُ وإيَّاكم من أهل التوحيد الخالص، والإيمان الصادق، وجنَّبنا جميعًا الإشراكَ بالله في الاعتقاد والقول والعمل والبدعَ ما ظهرَ منها وما بطَن.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.

                


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

ترسيخ اليقين – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة واليقين من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضَل العارفون، وفيه تنافَس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *