منذ حوالي ساعة
يعاني المسلمون في الهند من عمليات تضييق وضغوط تهدف لنزعهم من هويتهم الإسلامية، وتواجه الفتيات المسلمات بشكل خاص لاستهداف أشد وأوسع نطاقا، إذ تعد المرأة والفتاة المسلمة ركيزة أساسية في بناء الحاضنة الاجتماعية للمسلمين وتربية الأجيال القادمة.
لم تكن المرأة المسلمة عبر العصور هدفًا سهلاً لمحاولات طمس، فقد أحاطها المجتمع الإسلامي بسياج من التربية الدينية والرعاية الاجتماعية. غير أن فترات الانحطاط أو الاستعمار شهدت جهودًا منظمة من قوى خارجية هدفت إلى تغيير هوية الفتاة المسلمة، معتبرةً أن اختراق المرأة هو مدخل لاختراق الأسرة والمجتمع بأسره.
ومع دخول الاستعمار البريطاني إلى الهند، تأسست مدارس داخلية وبعثات تعليمية للفتيات، كثير منها تحت إدارة الراهبات. كان الهدف المعلن “التعليم الحديث”، لكن الهدف غير المباشر هو تنصير الفتيات المسلمات. وقد وثقت بعض المصادر أن عدداً من الفتيات فقدن ارتباطهن بالإسلام في تلك المدارس، فيما ارتدت بعضهن بشكل صريح.
الهند: من الفتح الإسلامي إلى الاستعمار:
دخل الإسلام إلى شبه القارة الهندية منذ القرن الثامن الميلادي، واستقر بعمق في النسيج الاجتماعي والثقافي. وقد ازدهرت الفتاة المسلمة في ظل نظام التعليم الديني والرعاية المجتمعية. غير أن الاستعمار البريطاني أحدث انقلاباً ثقافياً، إذ تم إدخال التعليم الغربي والتبشيري، ما جعل الفتاة المسلمة عرضة للاستقطاب الديني والفكري.
التحديات المعاصرة للفتاة المسلمة في الهند
تُعد حركة “الهندوتفا” من أخطر التحديات التي تواجه المسلمين في الهند عامة، والفتيات المسلمات على وجه الخصوص. فالهندوتفا أيديولوجيا لا ترى في الإسلام دينًا مكوّنًا للنسيج الاجتماعي الهندي، بل تعتبره عقبة أمام “الوحدة الوطنية” المنشودة. ومن هذا المنطلق، تعمل الهندوتفا على إعادة صياغة هوية المسلمين ودمجهم قسريًا في الثقافة الهندوسية المهيمنة. وفي هذا السياق، تصبح الفتاة المسلمة هدفًا مباشرًا لهذه السياسات، إذ يُنظر إليها باعتبارها الحلقة الأضعف التي يمكن عبرها تغيير هوية الأسرة والمجتمع معًا.
2– التأثير الثقافي والإعلامي
يلعب الإعلام الهندي دورًا محوريًا في تشكيل صورة الفتاة المسلمة داخل المجتمع. ففي كثير من الأفلام والمسلسلات، تُقدَّم الفتاة المسلمة بوصفها مقيدة بالدين والتقاليد، أسيرة للحجاب والقيود الأسرية، بينما تُصوَّر الفتاة التي تتخلى عن هويتها الإسلامية وكأنها وجدت طريق الحرية والتحرر. هذه الصورة النمطية لا تتوقف عند حدود الترفيه، بل تُسهم في إعادة إنتاج تصورات اجتماعية سلبية تجاه الفتيات المسلمات أنفسهن، وتدفع بعضهن، تحت ضغط المجتمع، إلى تقليد هذه النماذج الإعلامية حتى لو كان الثمن الابتعاد عن الدين .
أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة تعليمية مستقلة في لكناو عام 2018 أن أكثر من 60% من الطالبات المسلمات في المدارس الخاصة لا يتلقين أي مادة دينية مرتبطة بالإسلام، وأن غالبيتهن يدرسن نصوصًا هندوسية ضمن مناهج الأدب والتاريخ
3– الزواج المختلط المشروط بالتحول الديني:
من أبرز صور الردة المعاصرة في الهند ما يُعرف إعلاميًا بـ “زواج التحول الديني” أو Love Jihad. ففي كثير من الحالات، ترتبط الفتيات المسلمات بشبان هندوس، غير أن إتمام الزواج يكون مشروطًا بترك الإسلام والدخول في الديانة الهندوسية. هذه الظاهرة تُستغل بشكل منظم من قبل تيارات قومية متشددة، إذ يتم تصويرها على أنها “انتصار ثقافي” للهندوسية مقابل الإسلام. وقد وثقت وسائل الإعلام الهندية عدة حالات لفتيات مسلمات تخلين عن دينهن تحت ضغط الحب أو التهديد أو الضغوط العائلية، الأمر الذي يكشف أن الزواج أصبح وسيلة من وسائل الهجوم على هوية الفتاة المسلمة.
4– التعليم العصري المنفصل عن الهوية:
يشكل النظام التعليمي في الهند عاملًا آخر في إضعاف الهوية الإسلامية للفتيات. فالمدارس والجامعات العصرية نادرًا ما توفر أي مساحة للتربية الدينية الإسلامية، بل إن كثيرًا منها يقدم مناهج علمانية بحتة تخلو من البعد الروحي والقيمي. هذا الفراغ القيمي يترك الفتاة عرضةً للتأثر بالأفكار المادية والإلحادية التي تُروج لها بعض الحركات الطلابية. كما أن ضعف البدائل التعليمية الإسلامية يجعل الأسرة المسلمة مضطرة لإرسال أبنائها وبناتها إلى هذه المؤسسات، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام التأثر بالفكر المعادي للدين أو على الأقل إضعاف الانتماء العقدي.
أظهرت دراسة أعدتها مؤسسة تعليمية مستقلة في لكناو عام 2018 أن أكثر من 60% من الطالبات المسلمات في المدارس الخاصة لا يتلقين أي مادة دينية مرتبطة بالإسلام، وأن غالبيتهن يدرسن نصوصًا هندوسية ضمن مناهج الأدب والتاريخ. هذا الفراغ المعرفي الديني جعل بعض الطالبات يصرحن بأنهن “لا يعرفن أساسيات دينهن”، مما يفتح الباب أمام الانسلاخ التدريجي من الهوية.
5– المعسكرات الثقافية والطلابية:
لا يتوقف الخطر على ما يُلقَّن في قاعات الدراسة، بل يمتد إلى الأنشطة الثقافية والطلابية في الجامعات الكبرى. ففي كثير من هذه المؤسسات، تُقام فعاليات تحت شعار “التحرر الفكري” أو “التعددية الثقافية”، لكنها في واقع الأمر تمثل وسيلة لإبعاد الفتيات المسلمات عن قيمهن. وقد صرحت بعض الطالبات أنهن تعرضن لضغوط من زميلات وزملاء للمشاركة في طقوس دينية هندوسية باسم “الانفتاح”. وبمرور الوقت، تضعف بعض الطالبات أمام هذا الضغط وتشاركن في طقوس شركية أو دينية تتعارض مع العقيدة الإسلامية، الأمر الذي يشكل بداية فعلية لمسار الردة الفكرية والعملية.
في جامعات مثل جواهر لال نهرو بدلهي، اشتكت طالبات مسلمات عام 2017 من تعرضهن لضغوط من اتحادات طلابية قومية للمشاركة في احتفالات هندوسية مثل “هولي” و”ديوالي”. بعض الطالبات قاومن ورفضن، لكن أخريات شاركن تحت ضغط البيئة الجامعية وخوفًا من العزلة الاجتماعية. هذا المثال يوضح كيف تتحول الأنشطة الجامعية إلى آلية ناعمة لفرض الردة الثقافية.
6– ضعف المؤسسات الإسلامية:
يُضاف إلى كل ما سبق ضعف المؤسسات الإسلامية في الهند، سواء كانت تعليمية أو اجتماعية أو دعوية. فلا توجد اليوم قيادة دينية قوية قادرة على مواجهة هذه التحديات. هذا الغياب المؤسسي يجعل الفتاة المسلمة في موقع هش، إذ لا تجد سندًا يحميها من الضغوط الإعلامية أو الاجتماعية أو حتى العائلية. كما أن ضعف التنسيق بين المدارس الإسلامية والمنظمات الحقوقية يُفاقم المشكلة، ويجعل الاستهداف أكثر سهولة وخطورة. وفي عام 2022، نشرت تقارير حقوقية أن عشرات القضايا المرتبطة بردة الفتيات المسلمات في القرى لم تجد أي متابعة من المؤسسات الإسلامية الكبرى في الهند. بل إن بعض العائلات اشتكت من أن الدعم اقتصر على بيانات عامة دون تدخل ميداني. وفي المقابل، نجحت جماعات هندوسية قومية في تقديم مساعدات مادية للفتيات المتحولات، مما رسخ فكرة أن المؤسسات الإسلامية غائبة عن المواجهة.
نماذج واقعية موثقة:
·عام 2020، نشرت وسائل الإعلام قصة فتاة مسلمة من ولاية كيرالا أعلنت تحولها للهندوسية بعد زواجها من شاب هندوسي.
·في أتر برديش، سُجلت حالات مشابهة لزواج مختلط أدى إلى تحول ديني وأثار جدلاً واسعًا.
·منظمات إسلامية محلية تحدثت عن عشرات الحالات في القرى، لكنها لم تُوثق إعلاميًا بسبب حساسية الموضوع .
·في أتر برديش أيضًا، قتلت امرأة مسلمة بقطع الرأس على يد زوجها الهندوسي بعد رفضها تغيير دينها، وأُلقيت جثتها في غابة.
الخاتمة:
إن تغييب الفتاة المسلمة في الهند اليوم عن دينها ليس قراراً فردياً معزولاً، بل هو نتيجة تخطيط ثقافي وتعليمي وإعلامي طويل الأمد، بدأ منذ الحقبة الاستعمارية واشتد مع صعود القومية الهندوسية. وإن غياب القيادة الإسلامية القادرة على المواجهة سهل من عمليات طمس الهوية، واختراق المجتمع المسلم في الهند عن طريق المرأة.
ولمواجهة هذه التحديات، لا بد من:
·إعادة بناء منظومة التعليم الديني.
·تعزيز الوعي الأسري والاجتماعي.
·دعم الفتيات المسلمات نفسيًا وفكريًا.
·تفعيل دور الإعلام والمنظمات الحقوقية في فضح الانتهاكات.
يظهر من خلال هذا البحث أن قضية انتزاع الفتاة المسلمة في الهند من دينها ليست مجرد أحداث فردية، بل هي ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية متشابكة، تُسهم فيها عوامل متعددة: القومية الهندوسية، الإعلام، التعليم، الزواج المختلط، وضعف المؤسسات الإسلامية. هذه العوامل مجتمعة تشكل بيئة خصبة لفقدان الهوية الدينية، بل ولارتكاب جرائم عنف تصل إلى القتل.
ومن ثم، فإن حماية الفتاة المسلمة ليست مجرد مسألة دينية تخص الأفراد، بل هي قضية وجودية تمس بقاء الهوية الإسلامية في الهند. إن التحدي المعاصر يتطلب استعادة روح الحزم التي جسدها أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لكن بوسائل عصرية قائمة على التعليم، الإعلام، والوعي الحقوقي.
_____________________________________________
الكاتب: د. محمد سعود الأعظمي
Source link