ليبقى كلٌّ منّا على ثغرِه! – فيصل بن علي البعداني

فالحياة لا تنتظم إلا حين يقوم كلٌّ بمهمته ويؤدّي رسالته. فإذا اختلطت الأدوار واضطربت المواقع، فُقد التوازن، وعمّ الارتباك، وخسر الجميع ثمرات الجهد.

ما أجمل أن يبقى المفكر مفكِّراً، والمتفرج متفرجاً، والقائد قائداً، والجندي جندياً، والناصح ناصحاً. فإن تداخل الأدوار من غير إعدادٍ ولا امتلاكٍ للأدوات التي يملكها صاحب الدور، تجاوزٌ للقدر الذي يوجبه العقل، مهما عظم العلم أو اعتلت المنزلة.

فالحياة لا تنتظم إلا حين يقوم كلٌّ بمهمته ويؤدّي رسالته. فإذا اختلطت الأدوار واضطربت المواقع، فُقد التوازن، وعمّ الارتباك، وخسر الجميع ثمرات الجهد.

إنّ خلط الأدوار يفتح أبواب الفوضى: مفكِّر يتعجل فيحاكي السياسي، ومتفرج يزاحم القائد في توجيهه، وجندي يريد أن يفرض على أهل الحرب خططهم! ومن هنا يضعف الوعي، وتكثر الفتن، ويضيع زمام الأمر، حتى يشلّ المسير.

وليس المراد بهذا أن يُحجر على الناس أو تُعطّل عقولهم؛ بل إن النصيحة والمشورة من أركان قوة المجتمع. غير أن صلاحها مرهون ببقائها في موضعها الصحيح: نصيحة لا تتحول إلى وصاية، ورأي لا يُغتصب به مقام القيادة، ومشورة لا تنقلب إلى إملاء وإلغاء.

إن أعظم ما يدل على نضج الجماعة الواحدة إدراكها لفقه الأدوار: فالمفكر يغذّي العقول ويرسم المعالم، والعالم يشيع العلم ويُرسّخ اليقين، والقائد يوجّه بحزم ورؤية، والجندي ينفذ بأمانة وإخلاص، والجمهور يتابع ويقوم ويُقوِّم. فإذا انفرط هذا النسق، ساد اللغط، وضاعت البوصلة، وعمّت الفوضى.

أيها الأحبة: نحن في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه التحديات، ولا سبيل إلى التماسك إلا بأن يحسن كلٌّ أداء وظيفته، وأن يثق بأن قيامه بواجبه في موضعه أنفع وأثمر من اقتحام مواقع لا يُحسنها أو لم يتهيأ لها.

فلنجعل شعارنا: لكلٍّ مقامه، ولكلٍّ وظيفته وموقعه. فمن استقام على دوره كان لبنةً راسخةً في صرح الأمة وفلاحها، ومن تجاوز قدره أضعف البناء من حيث لا يشعر، مهما صلحت مقاصده وحسنت نيته.

والله الهادي.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

تقدير العواقب – أبو الفرج ابن الجوزي

منذ حوالي ساعة من عاين بعين بصيرته تناهي الأمور في بداياتها، نال خيرها، ونجا من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *