العفاف حصن المرأة وسياج المجتمع

إن الحجاب ليس مجرد عادة اجتماعية أو زينة خارجية، بل هو عبادة وطاعة لله، وحصن للعفة، وسياج للأسرة والمجتمع، والتحذير من الاختلاط ليس تضييقًا على المرأة، وإنما هو صيانة لها وللرجال من أسباب الفتنة.

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل العفاف والحشمة من محاسن الشريعة ومكارم الأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فالحجاب عبادة وطاعة وليس مجرد مظهرٍ وزينة، إنما هو فرض من فروض الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة، والتحذير من الاختلاط ليس تضييقًا على المرأة، بل حماية للأسرة والمجتمع من الفتنة.

 

قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الحديد: 16، 17].

 

العفاف من مهمات الدين:

ثبت في «صحيح البخاري» أن هرقل سأل أبا سفيان – قبل إسلامه – عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “يأمرنا بالصلاة والصدق، والعَفاف والصلة”، فتعجب هرقل من هذا المنهج المتكامل، وعدَّه دليلًا على أن مصدره وحي من عند الله؛ إذ جمع بين عبادة الله وحده وترك الشرك، وبين إصلاح النفس والمجتمع.

 

وهذا يدل على أن العفاف – ومنه الحجاب وغض البصر، وتحريم الاختلاط – ركن أصيل في بناء المجتمع المسلم، وليس مجرد مظهر ثانوي.

 

تحريم الزنا ووسائله:

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].

 

وقرر العلماء قاعدة عظيمة: إذا حرم الله شيئًا حرم الطرق المفضية إليه؛ ومن هنا جاءت الشريعة بتحريم التبرج والسفور، والخضوع بالقول، والخلوة بالأجنبية، والسفر بلا مَحرم، والاختلاط، والنظر المحرم، وكل ما يفتح باب الفواحش.

 

الحجاب من المعلوم من الدين بالضرورة:

فرضُ الحجاب على نساء المؤمنين أمر ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وعليه العمل منذ عهد النبوة، والخلاف المعروف إنما وقع في كشف الوجه والكفين، والصواب الراجح تغطيتهما، أما ما وراء ذلك فمحل إجماع على وجوب ستره، والتحذير من الاختلاط والتبرج ليس تشددًا، بل هو حماية للمجتمع وصيانة لعِرض المرأة والرجل على حد سواء.

 

خطورة التهاون:

كثير من الفواحش تبدأ بخطوة صغيرة: تبرج، اختلاط، إطلاق نظر، استماع للغناء، أو مشاركة في أجواء لا يرضاها الشرع، ثم تشتد الفتنة حتى تصل – والعياذ بالله – إلى الكبائر، ومن تمام رحمة الله أنه سدَّ هذه الأبواب قبل أن تجرَّ إلى الفاحشة الكبرى.

 

عقوبة الزنا للمحصن:

لم تُبح ملة من الملل الزنا قط، وهو من الكبائر الموبقات، وجناية عظيمة على العِرض والنسب، وعدوان على إحدى الكليات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها، ولما كان الزنا هدمًا لأعظم مقاصد الشريعة في حفظ الدين والعِرض، شرع الله حدَّ الرجم للمحصن زجرًا وردعًا، وقد جاءت آية الرجم مما نُسخ تلاوته وبقيَ حكمه، كما ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم، وفي ذلك حكمة إلهية بالغة.

 

المعلوم من الدين بالضرورة: ثوابت لا تتبدل:

في زمن تتعالى فيه أصوات تدَّعي حرية التعبير وحقوق الإنسان، ظهر من يجترئ على ثوابت الشريعة، فينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة؛ كحرمة الزنا وفرضية الحجاب، بل يدعو بعضهم إلى تقنين الفواحش أو إسقاط الفرائض، متجاهلين أن هذه الأحكام ليست آراء اجتهادية ولا مسائلَ خلافية، بل هي أصول راسخة أجمع عليها المسلمون جيلًا بعد جيل.

 

تعريف المعلوم من الدين بالضرورة:

المعلوم من الدين بالضرورة هو ما اتفقت عليه الأمة من أصول العقيدة وأحكام الشريعة، بحيث يعلمه المسلم العامي كما يعلمه العالِم، ويكون إنكاره طعنًا في الدين، وخروجًا عن الجماعة، في مقدمته أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله ربًّا خالقًا أحدًا، والإيمان برسله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن الكريم وكونه كلام الله المنزل، وسائر الكتب السماوية، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.

 

أما في الجانب العملي، فيدخل فيه ما ثبتت فرضيته أو حرمته بدليل قطعيٍّ، وأجمع عليه المسلمون؛ مثل: أركان الإسلام الخمسة، ووجوب الحجاب على المرأة المسلمة البالغة، وحرمة الزنا، والربا، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والكذب، ونقض العهود، ووجوب الصدق، ومشروعية الأذان، والوفاء بالعقود، وغيرها من الأحكام التي لا يجهلها من عاش في بيئة مسلمة.

 

ثبات الأحكام المعلومة بالضرورة:

هذه الثوابت تمثل صلب الدين وجوهره، وهي التي تصل حاضر الأمة بماضيها، وتربط الخلف بالسلف، وتُبقي الشريعة حية صالحة لكل زمان ومكان؛ ومن هنا جاءت القاعدة: ما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس اليوم دينًا.

 

خطورة إنكار المعلوم من الدين بالضرورة:

من أخطر الانحرافات الفكرية المعاصرة زَعْمُ أن جميع الأحكام الشرعية قابلة للتغيير، أو أنها مقصورة على زمن نزولها، وأنها تزول بزوال السبب الذي نزلت فيه، متجاهلين القاعدة الأصولية الراسخة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا الفهم المعوَّج يفتح الباب لتعطيل الفرائض، واستباحة المحرمات، كما وقع حين أُنكرت فرضية الحجاب، ثم ظهرت الدعوات لإباحة الزنا وتقنينه، ولا يُستبعد – إن ترك الباب مفتوحًا – أن تمتد الجرأة إلى إنكار حرمة الخمر أو تعطيل الصلاة.

 

الحجاب من المعلوم من الدين بالضرورة:

الحجاب فريضة على كل امرأة مسلمة بالغة منذ بلوغها سن التكليف، ودليله قطعي من الكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، وقال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، والخمار في الآية غطاء الرأس، وهو نص صريح لا يحتمل التأويل إلى معنى آخر، وقد أجمع المسلمون سلفًا وخلفًا على وجوبه، واعتبروا إنكاره إنكارًا لما عُلم من الدين بالضرورة.

 

خاتمة:

إن الحجاب ليس مجرد عادة اجتماعية أو زينة خارجية، بل هو عبادة وطاعة لله، وحصن للعفة، وسياج للأسرة والمجتمع، والتحذير من الاختلاط ليس تضييقًا على المرأة، وإنما هو صيانة لها وللرجال من أسباب الفتنة.

 

النصوص القرآنية والسنة النبوية، وإجماع الأمة، ومقاصد الشريعة في حفظ العِرض وصيانة المجتمع، كلها تؤكد أن الحجاب فريضة ثابتة لا تتغير، وأن كشف ما أمر الله بستره معصية توجِب التوبة، وأن القول بخلاف ذلك إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة.

 

إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة ليس اجتهادًا ولا حريةَ رأيٍ، بل اعتراض على شرع الله ومشابهة للمشركين في رد أحكامه، وحماية هذه الثوابت واجب شرعيٌّ؛ إذ بها تقوم هُوِيَّةُ الأمة ويستقيم دينها، ومن خلالها تُصان الأخلاق والعقائد.

______________________________________________
الكاتب: د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر

المصدر: شبكة الألوكة


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

التسبيح مكفر للخطايا

قالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *