قبل أن تنظر إلى محرم تذكر – أبو الهيثم محمد درويش

{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور]

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

قبل أن تنظر إلى محرم تذكر:

قال تعالى:

{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)} [النور]

قال الإمام ابن كثير في تفسيره:

هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على محرم من غير قصد ، فليصرف بصره عنه سريعا ، كما رواه مسلم في صحيحه ، من حديث يونس بن عبيد ، عن عمرو بن سعيد ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن جده جرير بن عبد الله البجلي ، رضي الله عنه ، قال : « سألت النبي صلى الله عليه وسلم ، عن نظرة الفجأة ، فأمرني أن أصرف بصري» .
وكذا رواه الإمام أحمد ، عن هشيم ، عن يونس بن عبيد ، به . ورواه أبو داود والترمذي والنسائي ، من حديثه أيضا . وقال الترمذي : حسن صحيح . وفي رواية لبعضهم : فقال : ” أطرق بصرك ” ، يعني : انظر إلى الأرض . والصرف أعم; فإنه قد يكون إلى الأرض ، وإلى جهة أخرى ، والله أعلم .
وقال أبو داود : حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ، حدثنا شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : ” «يا علي ، لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى وليس لك الآخرة » “
ورواه الترمذي من حديث شريك ، وقال : غريب ، لا نعرفه إلا من حديثه .
وفي الصحيح عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  «” إياكم والجلوس على الطرقات ” . قالوا : يا رسول الله ، لا بد لنا من مجالسنا ، نتحدث فيها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن أبيتم ، فأعطوا الطريق حقه ” . قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال : ” غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر » ” .
وقال أبو القاسم البغوي : حدثنا طالوت بن عباد ، حدثنا فضل بن جبير : سمعت أبا أمامة يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  «” اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة : إذا حدث أحدكم فلا يكذب ، وإذا اؤتمن فلا يخن ، وإذا وعد فلا يخلف . وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم ، واحفظوا فروجكم “»  .
وفي صحيح البخاري : ” «من يكفل لي ما بين لحييه وما بين رجليه ، أكفل له الجنة» ” .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة قال : كل ما عصي الله به ، فهو كبيرة . وقد ذكر الطرفين فقال : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السلف : ” النظر سهام سم إلى القلب ” ; ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك ، فقال :  {( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) } . وحفظ الفرج تارة يكون بمنعه من الزنى ، كما قال  {( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ) } [ المعارج : 29 ، 30 ] وتارة يكون بحفظه من النظر إليه ، كما جاء في الحديث في مسند أحمد والسنن : احفظ عورتك ، إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ” .
{( ذلك أزكى لهم )}  أي : أطهر لقلوبهم وأنقى لدينهم ، كما قيل : ” من حفظ بصره ، أورثه الله نورا في بصيرته ” . ويروى : ” في قلبه ” .
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا عتاب ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  «” ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة [ أول مرة ] ثم يغض بصره ، إلا أخلف الله له عبادة يجد حلاوتها » ” .
وروي هذا مرفوعا عن ابن عمر ، وحذيفة ، وعائشة ، رضي الله عنهم ولكن في إسنادها ضعف ، إلا أنها في الترغيب ، ومثله يتسامح فيه .
وفي الطبراني من طريق عبيد الله بن زحر ، ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة مرفوعا : ” لتغضن أبصاركم ، ولتحفظن فروجكم ، ولتقيمن وجوهكم – أو : لتكسفن وجوهكم ” .
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن زهير التستري قال : قرأنا على محمد بن حفص بن عمر الضرير المقرئ ، حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا هريم بن سفيان ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” « إن النظر سهم من سهام إبليس مسموم ، من تركه مخافتي ، أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه» ” .
وقوله : { ( إن الله خبير بما يصنعون ) }، كما قال تعالى : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) [ غافر : 19 ] .
وفي الصحيح ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  «” كتب على ابن آدم حظه من الزنى ، أدرك ذلك لا محالة . فزنى العينين : النظر . وزنى اللسان : النطق . وزنى الأذنين : الاستماع . وزنى اليدين : البطش . وزنى الرجلين : الخطي . والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه» ” .أ هـ

قال الإمام ابن الجوزري في صيد الخاطر:

فصل لا تحم حول الحمى

من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة. ومن ادعى الصبر، وكل إلى نفسه.
ورب نظرة لم تناظر !.
وأحق الأشياء بالضبط والقهر، اللسان والعين.
فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة. فإن الهوى مكايد.
وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه ! واذكر حمزة مع وحشي.
فتبصّر ولا تشم كلّ برقٍ … ربّ برقٍ فيه صواعق حين
واغضض الطرف تسترح من غرام … تكتسي فيه ثوب ذل وشين
فبلاء الفتى موافقة النف … س وبدء الهوى طموح العين.

 

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

انقطع عمله إلا من ثلاث

والعاقل الموفق هو الذي يعلم أنه إذا مات انقطع عمله، وأن العمل إنما هو في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *