قيام الليل شرف المؤمن، ودأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، ويستحضر القائم أن الله مطلع على صلاته، وسامع لتلاوته، ومستجيب لدعائه، ويقبل توبته واستغفاره، فقيام الليل هو الغنيمة الباردة…
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
قيام الليل شرف المؤمن، ودأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، ويستحضر القائم أن الله مطلع على صلاته، وسامع لتلاوته، ومستجيب لدعائه، ويقبل توبته واستغفاره، فقيام الليل هو الغنيمة الباردة، به تكمل ما في الفرائض من نقص، وتزيد الحسنات في الموازين، وتُرفع الدرجات، وتُحط الأوزار.
قال الشيخ ابن العثيمين: “إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح، فاغتنموه بالعبادة، وكثرة الصلاة، وقراءة القرآن …”[1].
أولاً: قيام الليل في القرآن:
قيام الليل صفة من صفات عباد الله المؤمنين الذين امتدحهم وأثنى عليهم في الكثير من آيات القرآن؛ منها:
♦ أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [المزمل: 1، 2]؛ قالت عائشة: “فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولًا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة”[2].
♦ وقيام الليل هو تربية للنفس على الاتصاف بصفات عباد الرحمن؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64]؛ قال البغوي: “يبيتون لربهم بالليل في الصلاة، سجدًا على وجوههم، وقيامًا على أقدامهم”[3].
♦ والصلاة من آخر الليل من صفات المتقين؛ قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17]؛ قال النووي: “رجحت صلاة الليل وقراءته؛ لكونها أجمع للقلب، وأبعد عن الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات، مع ما جاء الشرع به من إيجاد الخيرات في الليل”[4].
ثانيًا: قيام الليل في السنة:
حث الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة على قيام ليالي رمضان، والاجتهاد فيها من تلاوة، أو علم، أو ذكر لله، ثم نبه على الأجر العظيم للمؤمن القائم المحتسب؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه» [5].
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يترك قيام الليل، ويقوم حتى تتفطر قدماه؛ فعن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه، قالت عائشة: يا رسول الله، أتصنع هذا، وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: « يا عائشة، أفلا أكون عبدًا شكورًا» ؟))[6].
قال ابن بطال: “فمن عظمت عليه نعم الله، وجب عليه أن يتلقاها بعظيم الشكر، لا سيما أنبياءه وصفوته من خلقه الذين اختارهم، وخشيةُ العباد لله على قدر علمهم به”[7].
وعن صلاة الوتر، قال ابن تيمية: “والوتر أوكد من سنة الظهر والمغرب والعشاء، والوتر أفضل من جميع تطوعات النهار؛ كصلاة الضحى، بل أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، وأوكد ذلك الوتر، وركعتا الفجر“[10].
خامسًا: من الأسباب التي تعين على قيام الليل:
من الأسباب التي تعين على قيام الليل: الاستعانة بالله تعالى، النوم مبكرًا، واتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم على وضوء، وعلى الشق الأيمن، ترديد أذكار النوم، افتتاح صلاة القيام بركعتين خفيفتين، ثم ترك الذنوب والملهيات، وقلة الأكل، تحري الحلال، القيلولة، الابتعاد عن الأعمال المجهدة بلا حاجة وتأجيل ما يمكن تأجيله، والتعاون مع أهل البيت والصحبة الصالحة على القيام والتنافس فيه.
[1] الضياء اللامع من الخطب الجوامع (2/ 165).
[2] صحيح مسلم (1/ 513).
[3] تفسير البغوي، طيبة (6/ 94).
[4] التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 28).
[5] صحيح البخاري (1/ 16)، صحيح مسلم (1/ 523).
[6] صحيح مسلم (4/ 2172).
[7] شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 364).
[8] فيض القدير شرح الجامع الصغير (5/ 168).
[9] شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 364).
[10] الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 238).
[11] صحيح البخاري (2/ 53)، صحيح مسلم (1/ 509).
[12] التبصرة لابن الجوزي (2/ 295) بتصرف.
Source link