أنواع الكتابة والكلام على الإنترنت والسوشيال ميديا وحكمها الشرعي في الإسلام
ما هو التوصيف السليم للصحفيين والإعلاميين وكافة المشتغلين بالكتابة أو تقديم الفيديوهات على مواقع السوشيال ميديا (فيس بوك ، تويتر ، انستغرام ، سناب شات .. الخ) أو المدونات أو مواقع نشر الفيديو المختلفة مثل اليوتيوب وتيك توك ونحوها في العصر الحالي؟؟
في الواقع فإن من يكتبون أو يتكلمون على الانترنت والسوشيال ميديا وكافة وسائل الاعلام التقليدي او الاعلام الجديد هم أنواع عدة، وكل نوع منهم له حكمه الشرعي المختلف، وبالتالي فسوف نفصل أبرز هذه الأنواع ونوضح الحكم الشرعي لكل منها في السطور التالية.
وفي البداية أسوق لكم الحديث النبوي التالي الذي يصف واقعنا المعاصر وصفا دقيقا ويوضح حكمه الشرعي بدقة واضحة جدا:
عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ” «إنكم في زمان علماؤه كثير، خطباؤه قليل، من ترك فيه عشير ما يعلم هوى، أو قال: هلك، وسيأتي على الناس زمان يقل علماؤُه ويكثر خطباؤُه، من تمسك فيه بعشير ما يعلم نجا» “رواه أحمد والبخاري في التاريخ الكبير وفي الادب المفرد وروى جزء منه الترمذي ورواه غيرهم أيضا (راجع تفصيل من خرجه عند الاعظمي في الجامع الكامل والألباني في السلسلة الصحيحة).
وهو حديث حسن، حسنه محمد عبد الله الأعظمي في كتابه “الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه” ج12 ص258-259، وصححه الألباني ف السلسلة الصحيحة ج6 ص40 وما بعدها برقم2510، وأيضا ج7 ص573 وما بعدها برقم3189، بلفظ: “إنكم أصبحتم في زمان كثير فقهاؤُه، قليل خطباؤه، قليلٍ سؤاله، كثيرٍ معطوه، العمل فيه خير من العلم. وسيأتي زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤاله، قليل معطوه، العلم فيه خير من العمل” وزاد في رواية أخرى بعد “كثير معطوه”: “العمل فيه قائد للهوى، وسيأتي من بعدكم زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سؤاله، قليل معطوه، الهوى قائد فيه للعمل، اعلموا أن حسن الهدي في آخر الزمان خير من بعض العمل”، وصحح اسناد رواية ابن مسعود{موقوفة عليه} ابن حجر في الفتح ج10 ص 510، {وهي رواية اخرجها البخاري في الأدب المفرد} حيث قال الحافظ ابن حجر: “سنده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي”.
ورواية مسند الامام أحمد ضعف اسنادها شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند ج35 ص299 رقم21372.
ولفظ (الخطباء) يشمل الكُتَّاب (جمع كاتب)في الصحافة أو السوشيال ميديا أو اليوتيوبرز ونحوه من وسائل الإعلام والنشر المختلفة المعاصرة.
وقال أحمد عبد الرحمن البنا في شرح الحديث:
{الصحابة رضوان الله عليهم كانوا فى زمان متصف بالأمن وعز الإسلام وكثرة العلماء مع صيانتهم للعلم وحفظه وعدم الإكثار من التحديث به خوفا من الوقوع فى الرياء والخطأ فمن ترك فيه العمل بجزء يسير مما يعلم وقع فى الهلاك لأن الدين عزيز وفى أنصاره كثرة فالترك تقصير ، ثم يأتى زمان ضعف فيه الاسلام ويقل فيه العلماء العاملون ويكثر فيه الخطباء المتشدقون ويكثر الظلم ويعم الفسق ويقل أنصار الدين وحينئذ من عمل من أهل ذلك الزمن بجزء يسير مما يعلم نجا لأنه المقدور ولا يكلف الله نفسا الا وسعها ، والظاهر أن هذا فى مثل الامر بالمعروف والنهى عن المنكر أما أعمال الانسان الخاصة بنفسه فلا عذر له بالتقصير فيها فى أي زمن والله أعلم}أ.هـ من كتاب “الفتح الرباني لترتيب مسند الامام أحمد الشيباني ومعه بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني”، ج1 ص 162 ط دار احياء التراث العربي.
وأرى أن هذا الحديث إنما يشمل هؤلاء المتحدثين على الانترنت وفي الإعلام التقليدي والجديد الذين يقدمون محتوى يغلب عليه أنه من نوع تجميع المعلومات التي يغلب عليها الصحة والسلامة دون فهم لمراميها وأبعادها العميقة وجوهر دلالاتها، وهؤلاء قسمان:
قسم صادق وهدفه خير ولكنه لم يتضلع علميا من التخصص الذي يصنع منه محتوى ويقدمه فتارة يكون جمعه مفيدا، وتارة أخرى يكون كحاطب ليل لأنه غير متمكن من أدوات البحث العلمي في التخصص العلمي حول المحتوى الذي يقدمه، وهم عندما يتخبطون هكذا فإنهم يدخلون تحت طائلة حديث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ” «قبل الساعة سنون خداعة، يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها الكاذب، ويُخَوَّن فيها الأمين، ويُؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة» ” حديث حسن رواه أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه {انظر: الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل ج12 ص449 وما بعدها}.. والرويبضة هو التافه الذي يتكلم في أمور أكبر أو أعمق من قدرته العقلية والفكرية والعلمية، وقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث:”يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها الكاذب، ويُخَوَّن فيها الأمين، ويُؤتمن فيها الخائن” مبني للمجهول والمقصود منه أن كثيرا من الناس لا يصدقون الصادق بل يكذبونه بينما يصدقون الكاذب ويخونون الأمين بينما هم أنفسهم يأتمنون الخائن، وهذا واضح في هذا العصر حيث نجد في حالات كثيرة التفافا شعبيا حول رموز من أهل الضلال أو من أهل الرياء واستماع وتصديق لهم، بينما نفس الجمهور ينفضون عن رموز من أهل العلم وأهل الصلاح ولا يستمعون لهم بل ويكذبونهم ويعارضونهم.
وقسم آخر مرائي وهدفه الشهرة من أجل الرياء وهؤلاء حقراء وهم كثر يجيدون الترويج لأنفسهم وإشهار أنفسهم بغير حق على أنهم علماء أو باحثين علميين مميزين في أحد العلوم الشرعية أو الانسانية او الاجتماعية او مجاهدين او مفكرين مبدعين أو عاملين للإسلام كل هذا على غير حقيقتهم.. وهؤلاء أكثر مما يخطر على عقل القارئ لأن أغلبنا لا يكتشفون حقيقة هؤلاء بل أغلبنا منخدعون منذ عقود وحتى اليوم بالعديد من هؤلاء ونضعهم في مكانة الرموز البارزة في مجال العمل الإسلامي بكل أنواعه ومجالاته، لكن أسهل من يمكن كشفه من هؤلاء هو من يغير اسمه الذي سماه به أبوه الى اسم له لمعان أو يضيف لاسمه كنية لامعة أو لقبا لامعا كالظاهري أو الشافعي أو نحو هذا، فكل من فعل هذا دون مسوغ مقبول منطقيا فينبغي أن نحذر منه ونقارن ما يطرحه مع معايير العلم والموضوعية، ونعامله بما يستحقه بالعدل.
وحينها سنجده اما جاهل مرائي، وإما سنجده لديه علم عادي تقليدي لن يضيف لك أي شيء وفوق هذا هو معجب بنفسه وساعي للشهرة والتكسب المعنوي فقط أو المعنوي والمادي من هذه المعلومات العادية والمحدودة التي يعرفها، وذلك بالترويج لنفسه على أنه عالم أو مفكر أو مجاهد أو داعية أو كذا.
وفي كل الحالات فكما قلت آنفا فهذا أسهل النماذج المرائية من حيث سهولة كشف حالها، وانما النماذج الصعبة والتي يمثل وجودها تخريبا لواقع أمتنا الإسلامية في الـ200 عاما الأخيرة فهم الذين لا يغيرون لا أسمائهم ولا ألقابهم لكنهم يستخدمون أساليب أخرى لا حصر لها لتحقيق أهداف ريائهم، وطبعا هذا النوع يدخل -من باب أولى- تحت طائلة الحديث النبوي المذكور آنفا وهو قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: “قبل الساعة سنون خداعة، يُكَذَّب فيها الصادق، ويُصَدَّق فيها الكاذب، ويُخَوَّن فيها الأمين، ويُؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة”، لأن عموم لفظ الحديث يشمل الجهال والمرائين على حد سواء.
أما الذين يقدمون محتوى كاذب فهؤلاء لهم حكم آخر لإن الذين يقدمون محتوى كاذب لا يخرجون عن نوعين:
النوع الأول- فهم الذين يهدفون بكذبهم أن يضلوا الناس عن الاسلام وعن كل حق متعلق بتفاصيل الاسلام وهؤلاء ذكرتهم أحاديث كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم، ولا يفتنونكم” رواه مسلم في صحيحه.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ” «ضرب اللَّه مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، والصراط الإسلام، والسوران: حدود اللَّه، والأبواب المفتحة: محارم اللَّه، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب اللَّه، والداعي من فوق الصراط: واعظ اللَّه في قلب كل مسلم» ” [حديث صحيح، رواه أحمد، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ، والحاكم وصححه {انظر: الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل ج10 ص313-314}] .
أما النوع الآخر- فهم الذين يكذبون من أجل حبهم للكذب أو تعودهم عليه او سعيهم لأي غرض دنيوي آخر غير هدف تحريف الدين الإسلامي، فهؤلاء ينطبق عليهم ما ورد في الحديث النبوي الطويل الذي حكى فيه الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم رؤيا منامية شاهد فيها حالات عديدة ممن يعذبهم الملائكة في الآخرة بسبب عدد من الخطايا ومما ورد فيه “قال: قالا لي: انطلق، انطلق قال: فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه -قال: وربما قال أبو رجاء: فيشق- قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟
ثم في آخر الرؤيا المنامية شرح الملائكة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كل ما شهده وجاء شرحهم لهذا المشهد بقولهما له: “الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق” رواه مسلم في صحيحه {أنظر: الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل ج9 ص845 وما بعدها}.
وختاما نشير إلى أننا إنما حددنا الحق بالاسلام وعقيدته في السطور السابقة لأن الاسلام هو الدين والعقيدة الحق الوحيدة لقوله الله سبحانه و تعالى: ” {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} ” [سورة ال عمران آية 19] ، كما قال الله عز وجل: ” {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ” [سورة ال عمران آية85] .
عبد المنعم منيب
Source link