إن مهمة صناعة قائد ناجح سعيد متوازن في حياته، نافع لنفسه ومجتمعه ووطنه ليس بالأمر السهل؛ بل يُعَدُّ تحديًا كبيرًا في ظل وجود مؤثرات خارجية لا يمكن التحكُّم فيها، والسؤال هنا هل يصنع القادة أم أنهم يُولَدون قادة؟
قادة المستقبل هم كنز الأسرة، ومورد المجتمع، وأمل الوطن الذي لا يُقدَّر بثمن، قادة المستقبل هم أصحاب الفضل والمبادرة والريادة في كل عمل تنموي في الوطن، فكان لا بد من التفكير بجد في صناعة قادة المستقبل، قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26]، وأخرج أبو نعيم في الحلية: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِهِ: “تَمَنَّوْا”، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ لِي هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَة ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: “تَمَنَّوْا”، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لُؤْلُؤًا وَزَبَرْجَدًا وَجَوْهَرًا، أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ، ثُمَّ قَالَ: “تَمَنَّوْا”، فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: “أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ”.
أيها الآباء وأيتها الأمهات، القيادة حلم يراود كل شاب وفتاة منذ الصغر، فكل واحد منهم يتمنَّى أن يكون عضوًا فاعلًا وبارزًا في مجتمعه ووطنه، قادرًا على القيادة وتحمُّل المسؤولية.
إن مهمة صناعة قائد ناجح سعيد متوازن في حياته، نافع لنفسه ومجتمعه ووطنه ليس بالأمر السهل؛ بل يُعَدُّ تحديًا كبيرًا في ظل وجود مؤثرات خارجية لا يمكن التحكُّم فيها، والسؤال هنا هل يصنع القادة أم أنهم يُولَدون قادة؟
وللجواب على هذا التساؤل علينا أن نعلم أن الناس في تعلُّم القيادة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:
• قسم يولدون بصفات قيادية فطرية والتدريب والتنمية يزيدانهم عمقًا ومهارةً.
• قسم غير قابلين لتعلُّم القيادة واكتساب مهاراتها، إما لإصابتهم بأمراض عقلية أو لوجود عوائق نفسية واجتماعية أو غيرها، ولعلَّ منها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذَرٍّ رضي الله عنه: «يا أبا ذرٍّ، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين ولا تولين على مال اليتيم»؛ (رواه مسلم).
• قسم يولدون عاديين ولديهم القدرة على اكتساب الصفات القيادية بالتربية والتدريب، وهم الفئة الأكبر والأكثر من القادة.
وعلى قادة المستقبل أن يتحَلَّوا بصفات حتى يكونوا قادةً مميزين ومؤثرين في مجتمعهم؛ ومنها:
• الصدق والأمانة، وهنا نتذكر عند بناء الكعبة وعند اختلافهم فيمن يضع الحَجَر الأسود، اتفقوا على أن يكون الحَكَم بينهم أولُ من يدخل، فلما دخل صلى الله عليه وسلم قالوا: جاء الصادق الأمين.
• القوة والصبر؛ كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة: 247]، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
• الكرم والشجاعة، فالكريم لا يبخل على مَنْ حوله بالعطاء، ولو كانت أفكارًا وأخلاقًا، والشجاعة تعني الصبر والثبات والإقدام على الأمور النافعة.
• الثقة بالنفس، خاصة عند اتخاذ القرار.
• القدرة على الإقناع والتأثير، والهِمَّة العالية والطموح والتحفيز الذاتي.
• وجود قدوة مميزة في حياته، مثل الوالدين، والقراءة في سِيَر القادة.
إن بناء المهارات القيادية يحتاج إلى سلسلة طويلة من مهارات التفكير والتحليل والاتصال والتحفيز والتعامل مع الأنماط الإنسانية المختلفة، مع وضع المتدرب في موقع التجربة وتحت إشراف مدربين متميزين، ثم إفادتهم بالتقويم السليم والتغذية الراجعة لتصرفاتهم وردود أفعالهم في كل المواقف التربوية والتدريبية.
وهناك أنشطة تساعد الوالدين على تنمية القيادة، ومنها:
• المشاركة في الجلسات الحوارية، في الأسرة والمدرسة والأندية.
• مخالطة ومجالسة الكِبار والقادة والاستفادة من تجاربهم.
• حضور بعض البرامج المتخصصة في صناعة القادة.
• الاهتمام بالجانب الجسمي والصحي والفكري والثقافي والشرعي والعلمي.
• قراءة وسماع سِيَر الأنبياء والصحابة، والقادة المؤثِّرين في المجتمع.
• تكوين علاقات اجتماعية، يتَّصِفون بالصلاح والقيادة والأمانة.
• المشاركة في الأعمال التطوعية، والمؤسسات الاجتماعية والتربوية.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يصلح لنا ولكم الذرية، هذا وصلَّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد.
____________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش
Source link