الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
فقد سبق الحديث في كلمة سابقة عن الرقى ومشروعيتها، وسيكون الكلام في هذه الكلمة عن أخطاء الرقاة، فمن ذلك:
1– أن من الخطأ أن يطلق عليهم الرقاة الشرعيون، والناس يعلمون أن بعضهم يمارس أعمالًا شركية وهم للكهانة أقربُ منهم للرقية.
وقد حدث هذا لي شخصيًّا، فقد ذهبت بقريب لي للقراءة عليه عند من يدعي أنه راقٍ يرقي الناس، فتعجبت أن قال: لا علاج عندي ولا قراءة، ولكن اذكر لي اسم والدته وغدًا يكون العلاج جاهزًا.
2- بعض الرقاة يطلب من المريض أن يغمض عينيه أثناء القراءة عليه، وأن يتخيل من أصابه بعين أو سحر أو مَسٍّ، وهذا عمل شيطاني لا يجوز لأنه استعانة بالشياطين، وكم سبَّب هذا العمل من عداوات، وقطع أرحام، وخصومات بين الناس.
جاءفي فتاوى اللجنةالدائمة: سائل يقول: ما مدى صحة تخيُّل المريض للعائن من جراء القراءة، أو طلب الراقي من المريض أن يتخيل من أصابه بالعين؟ فأجابت:
«تخيُّل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ بذلك، هو عمل شيطاني لا يجوز؛ لأنه استعانة بالشياطين، فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي على أنه هو الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين، ولأنه سبب العداوة بين الناس، ويسبِّب نشر الخوف والرعب بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: 6][1].
3- بعض الرقاة يقولون عبارات شركية وتمتمة لا يُعرف معناها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «أما ما لا يُعرف معناه فلا يشرع، ولا سيما إن كان فيه شرك فإن ذلك محرم، وأكثر الرقى الأعجمية أسماء رجال من الجن، يُدعون ويُستغاث بهم ويُقسم بما يعظمونه، وعامة ما بأيدي الناس من الرقى التي لا تُفقه بالعربية فيها ما هو شرك»[2]، فلا بد للراقي من رفع الصوت حتى يُفهم ما يقول.
4- ومنها ما أحدثه بعض الرقاة من الطلب من المريض أن تكون الرقية في حقنة، ثم ضربها في الوريد من المريض المصاب بالمس، سئلت اللجنة الدائمة، يقول السائل: إنا نعالج حالات الصرع واللبس بالمس بالقرآن الكريم والأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والأذكار الصحيحة الواردة عنه أيضًا، ولكن هناك بعض الإخوة يعالجون بعدة طرق منها:
أ– يرقي في حقنة من الكالاكوز، وتُعطى للمريض المصاب بالجن في الوريد، ويستدل بأن الشيطان يجري في الإنسان مجرى الدم.
ب– يرقي في الماء ويضيف عليه العطر بحجة أن الجان لا يحب العطر ويشربه المصاب.
ج– يرقي أيضًا في زيت الزيتون ويُسقى المريض مع الماء.
بماذا تنصح إخوانك الذين يقدمون مثل هذه المعالجة؟
فأجابت اللجنة:
الرقية الشرعية توقيفية لا يجوز الزيادة فيها على الوجه المشروع، وقد أدخل بعض الناس في الرقية الشرعية صنوفًا من المحدثات جهلًا أو تأكلًا، أو من تلاعب الشيطان ببعضهم، ومنه إجراء بعضهم الرقية في حقنة، ثم ضربها في الوريد من المريض المصاب بالمس محتجًّا هذا الراقي بحديث: «إِنَّ الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم»[3]، وهذه رقية بوسيلة غير شرعية، وتطبيب يضمن ما يحصل من جناية على المريض، ولا حجة لهذا المتطبب بالحديث المذكور لما ذكر؛ لأنه يدل على ملابسته الشيطان للإنسان فيعالج بالرقية الشرعية، وهي القراءة والنفث على المصاب كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وقد يترتب على حقن الماء في الوريد ضرر أو تلف، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين[4].
5- ومن المخالفات أن بعضهم يخلو بامرأة أجنبية من غير مَحرم لها، وهذا مُحرَّم، قال النبي صلى الله عليه وسلمفيما رواه الترمذي في سننه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»[5].
وبعضهم عند القراءة يضع يده على رأس المرأة أو أجزاء من جسدها، روى الطبراني في المعجم الكبير من حديث معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ رَجُلٍ بِمِخْيَط[6] مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ»[7].
6- ومنها أن يطلب من المريض شيئًا من آثاره أو أظفاره أو من بقايا أكله.
7- ومنها أن يُطلب منه عدم مس الماء أو الاغتسال، وما ذلك إلا بأمر الشياطين حتى يحرموهم من الصلاة والذكر ويتسلطوا عليهم.
8- ومنها استخدام بعض الرقاة خلطات شعبية مضرة بالصحة، فالعلاج الشعبي يحتاج إلى خبرة واسعة ودقة في وصف الخلطات الشعبية؛ لأن الزيادة فيها ولو بنسبة بسيطة تُحدث أضرارًا كبيرة، فلابد من استشارة الأطباء المختصين قبل الاستعمال.
9- ومنها استخدام أساليب غير شرعية عند القراءة؛ كالخنق أو الصعق بالكهرباء، أو إحضار الذئب بحجة قتل الجان الملتبس بالمريض، وقد تضرر أناس مرضى بهذه الأفعال، بل حصلت حالات وفيات.
10- ومنها اشتراط بعض الرقاة أموالًا كثيرة تُرهق كاهل المريض، بل بعضهم يحدد القراءة المركزة بالمبلغ الفلاني، والقراءة الخفيفة بالمبلغ الأقل، وآخرون يلزمون المرضى بشراء الزيت والعسل والماء المقروء فيه منهم.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ماحكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة؟
فقال رحمه الله: التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله عز وجل، ونفع عبادالله، وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال، فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارئ عبدًا للدنيا إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط سخط، لذلك أنصح إخواني الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله تعالى، وألا يكون همُّهم المال، بل إن أُعطوا أخذوا، وإن لم يُعطوا لم يطلبوا، وبذلك تحصُل البركة في قراءتهم على إخوانهم.
هذا ما أقوله لإخواني القراء»[8]، وبعض أهل العلم يرى أن التفرغ لذلك من البدع المحدثة التي لم تكن في عهد الصحابة ولا السلف الصالح من بعده، وسؤال أهل العلم في الزمان والمكان هو المرجع في ذلك، والله أعلم.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[1] فتاوى اللجنة برقم (20361) بتاريخ 8/1/1418 هـ.
[2] مجموع الفتاوى (19/13) بتصرف.
[3] جزء من حديث في صحيح البخاري برقم (2035)، وصحيح مسلم برقم (2175).
[4] فتاوى اللجنة الدائمة برقم (18569).
[5] برقم (2165)، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
[6] المخيط: هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما.
[7] (20/ 210) برقم (786)، وحسنه الشيخ الألباني۴ في غاية المرام برقم (196).
[8] فتاوى نور على الدرب للشيخ العثيمين رحمه الله (4/2)، وخطبة للشيخ صالح العصيمي عن أخطاء الرقاة.
__________________________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي
Source link