خطورة الزنا وأثره على الفرد والمجتمع

أشد أنواع الفواحش وأخطرُها الزنا، تلك الجريمة المنكرة، والفاحشة المدمِّرة التي تؤدي إلى الهلاك والهوان، والفقر والمرض، وغضب الله تعالى ومَقْتِه

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

فلا يمكن أن يشكك مُغْرِض بأن الشريعة الإسلامية جاءت بالإصلاح الشامل، فأوجبت واجبات، وحددت حدودًا، وحرمت الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ لأن الإسلام دين العفة والطهر والنقاء، والعزة والقوة؛ ولذا حرم الله تعالى جملة من الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ لأن الفواحش مصدر الضعف والهلاك، والذل والهوان؛ لأنه سبب مباشر في انتشار الأمراض الخطيرة التي تفتك بالأبدان، وعموم الفواحش من فجور وزنًا وسرقة وخمر وإرهاب بالتعدي على أموال الناس وأعراضهم – كلها مِعْوَل هدمٍ وإفساد لنظام البيت؛ حيث يهز كِيان الأسرة ويقطع العلاقة الزوجية، ويعرِّض الأولاد لسوء التربية؛ مما يتسبب عنه التشرد، والانحراف، والجريمة، وإنزال غضب الله تعالى؛ولهذا جاء الإنذار شاملًا؛ فقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]، وأشد أنواع الفواحش وأخطرُها الزنا، تلك الجريمة المنكرة، والفاحشة المدمِّرة التي تؤدي إلى الهلاك والهوان، والفقر والمرض، وغضب الله تعالى ومَقْتِه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات –أي: المهلكات– وذكر منها الزنا…»، والزنا أو الفحشاء هو مصطلح يشير إلى إقامة علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تحل له بدون زواج، والمرأة تحل للرجل من خلال الزواج فقط، ويعتبر الزنا في عدة أديان فعلًا محرمًا وغير أخلاقي وغير ديني، لكن ممارسة الزنا تتفاوت أهميتها ما بين الثقافات والمجتمعات، بينما هناك العديد من الأشخاص يعارضون استخدام هذا المصطلح، ويفضلون استخدام مصطلح “الجنس خارج العلاقة الزوجية”.

 

وما زالت كل الملل والنِّحَلِ تنادي بسخط الزنا وتحريمها مساندةً في الإنكار مع الشريعة الغراء الواضحة؛ رسالة الإسلام المنزَّل؛ فيعتبر الزنا محرمًا في المسيحية؛ حيث يوصي القديس بولس الطرسوسي، ويُعرف عند المسيحيين بأنه بولس الرسول أو القديس بولس، هو أحد قادة الجيل المسيحي الأول، وينظر إليه البعض على أنه ثاني أهم شخصية في تاريخ المسيحية بعد يسوع نفسه – برفض الزنا في (كورنثوس الأولى 6، العدد 9)؛ حيث ذكر أن “الزناة لن يدخلوا ملكوت الله وفي غلاطية”، “وأعمال الجسد ظاهرة، التي هي: زنا عهارة نجاسة دعارة”، وفي كورنثوس الأول [7: العدد 2]: “ولكن لسبب الزنا، ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة رجلها”، وفي مجمع أورشليم تم الإقرار بمنع الزنا.

 

وما يزال هناك جدال بين المسيحيين في الغرب، إذا ما كان الجنس بين شخصين لم يتزوجا قط، أو شخصين مخطوبين، أو لهما علاقة حب – هل يعتبر زنًا أم لا؟ ويجادلون بأن الكتاب المقدس لم يرفضإقامة العلاقات الجنسية بين المخطوبين، كان هناك ثيولوجي واحد من العصور الوسطى وهو الراهب الإنجليزي جون باكونثورب؛ حيث قال بأن عدم إقامة العلاقات الجنسية بين المخطوبين يدعو للاستغراب، وأنه يدعو للمناقشة، بينما رفضه أغلب الثيولوجيين ورجال الدين، فيما هناك الكثير من المسيحيين في الدول الغربية لا يمانعون إقامة العلاقات الجنسية قبل الزواج أو بدون زواج.

 

وأما الزنا عند اليهود فمذكور في التوراة وصية لا تزن الواردة في سفر الخروج 20 آية 14، ومذكور أيضًا العديد من الآيات عن الزنا؛ منها: “وإذا زنى رجل مع امرأة، فإذا زنى مع امرأة قريبه، فإنه يقتل الزاني والزانية”؛ [اللاويين، سفر 20، آية 10].

 

“لا يدخل ابن زنًا في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر، لا يدخل منه أحد في جماعة الرب”؛ [سفر التثنية 23، آية 2].

 

وإن النفس المؤمنة الصادقة الإيمان هي التي تأتمر بأوامر الله، وتنتهي عما نهاها الله عنه، وتستحضر ذكر الله في أن الزنا فاحشة؛ أي: أمر قبيح فاحش ممقوت مبغوض عند أصحاب الفِطَرِ السليمة التي فطر الله الناس عليها، كما أخبر أن طريقه طريق سيئ، فساء سبيل سالكه، فهو ممقوت مبغوض من جميع أهل العقول والثبات المؤمنين، ولا يحب فاعله إلا الفسقة الفجرة، ولقد وعد الله الزانين بالخلود في النار، إذا لم تقع منهم التوبة النصوح؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 – 70].

 

وإن الزاني ليعدُّ جانيًا على دينه؛ حيث وقع فيما حرم الله، وجانيًا على نفسه وعلى عِرْضِهِ؛ حيث دنس نفسه بهذه الرذيلة، وأهملها تسعى وراء الشهوات وتنقاد للشيطان الرجيم.

 

• فكم أفسدت جريمة الزنا من عائلات!

• وكم غيَّرت من إنسان!

• وكم أدخلت على العشيرة من ليس منهم!

 

• وكم أخرجت المواريث عن أصحابها ومستحقيها،وضاع نسب، وتم تمليك الأموال لغير أربابها عند التوارث!

 

• وكم كان سببًا مباشرًا في انتشار الأمراض الخطيرة التي تفتك بالأبدان، وتنتقل بالوراثة من الآباء إلى الأبناء، وأبناء الأبناء، كالزهري، والسيلان، والقرحة!

 

إن الزنا علاقة مؤقتة لا تبعة وراءها، فهو عملية حيوانية بحتة ينأى عنها الإنسان الشريف، وجملة القول أنه قد ثبت ثبوتًا لا مجال للشك فيه عظم ضرر الزنا، وأنه من أكبر الأسباب الموجبة للفساد وانحطاط الآداب، ومورِث لأفتك الأدواء، وجالب للزلازل والبلايا والفتن، وتسليط الظلمة على الشعوب، ومروِّج للعزوبة واتخاذ الأخدان، ومن ثَمَّ كان أكبر باعث على الترف والسرف والعهر والفجور؛ لهذا كله وغيره جعل الإسلام عقوبة الزنا أقسى عقوبة، إذا كانت العقوبة تبدو قاسية، فإن آثار الجريمة المترتبة عليها أشد ضررًا على المجتمع، والإسلام يوازن بين الضرر الواقع على المذنب، والضرر الواقع على المجتمع، ويقضي بارتكاب أخف الضررين، وهذه هي العدالة.

إن الزنا دَين فإن أديتــــــــــه   **    كان الوفا من أهل بيتك فاعلمِ 

من يزنِ يُزنى به ولو بجـدارِهِ   **    إن كنت يا هذا لبيبًا فافهــــــمِ 

من يزْنِ في بيت بألفي درهم   **    في بيته يُزنى بغير الدرهـــــمِ 

يا هاتكًا ستر الرجال وقاطعًـا   **    سبل المودة عشتَ غير مكــرمِ 

 

فكل قوم يظهر فيهم هذا الداء، فقد استحقوا عذاب الله؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية، فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله»؛ أي: استحقوه، فهو نازل لا محالة فلينتظروه؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا»؛ (مستدرك الحاكم).

 

ولقد صدق وحيُ النبوة، فظهرت أمراض كثيرة وأوبئة خطيرة اليوم بسبب الزنا لم تعرف في أسلافنا الذين مضَوا؛ كالزهري والسيلان، والهربس والإيدز والقرحة، تلك الموبقات المهلكات.

 

ولقد اقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله؛ قال الله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]، وليس هذا عجيبًا؛ لأن آثار الزنا وعواقبه وخيمة جدًّا على الفرد والجماعة، وعلى الزاني والزانية، وعلى زوجها وأهلها وولدها، والعكس.

 

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: “لا أعلم بعد القتل ذنبًا أعظم من الزنا”؛ ومن ثَمَّ فلا يجتمع الزنا والإيمان؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن…»؛ (متفق عليه).

 

فالزاني والزانية قد يذهب إيمانه، فلا يعود إليه بعد أن يخرج منه، فكم من زناة وزوانٍ تغير حالهم بعد الزنا من الإيمان إلى الكفر، أو إلى النفاق، فلم يفلحوا قط، والعياذ بالله تعالى!

 

وإلى مقالة أخرى نتكلم فيها عن منهج الإسلام في محاربة الانحراف والجريمة، وسعيه المنير من خلال وضع الطريقة المثلى لتصريف الغريزة، ومنع من أي تصرف في غير الطريق المشروع، وحظر إثارة الغريزة بأي وسيلة من الوسائل، حتى لا تنحرف عن المنهج المرسوم؛ فنهى عن الاختلاط، والرقص، والصور المثيرة، والغناء الفاحش، والنظر المريب، وكل ما من شأنه أن يثير الغريزة، أو يدعو إلى الفحش؛ حتى لا تتسرب عوامل الضعف في البيت، والانحلال في الأسرة.

 

وإلى لقاء آخر مع هذه السلسلة المباركة في منهج الإسلام في علاج قضايا الفساد، وبناء شخصية المسلم الحق.

 

كانت مداخلة في لقاء حلقات العلم، غرة شعبان، للأستاذ أحمد عمير، رئيس اللجنة الولائية لأساتذة العلوم الإسلامية.

____________________________________________________
الكاتب: أحمد عمير


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

الخوف من الله – طريق الإسلام

من ثمار الخوف من الله أن يُقبل العبد على طاعة ربه جل وعلا، إذا أنت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *