منذ حوالي ساعة
فى قوله ” {إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا} ” وذلك يوم القيامة تتحرك الأرض وتتضرب اضطرابا عظيما فتخرج ما فى جوفها
مناسبة السورة لما قبلها
يقول السيوطى : لما ذكر في آخر {{لم يكُن}} أن جزاء الكافرين جهنم، وجزاء المؤمنين الجنة، فكأنه قيل: متى يكون ذلك؟ فقيل: {{إِذا زُلزِلَت الأَرضُ زِلزالها}} أي حين تكون زلزلة الأرض، إلى آخره
كما أنه لما ذكر فيها وعيد الكافرين، ووعد المؤمنين، أراد أن يزيد في وعيد الكافرين فقال: {{إِذا زُلزِلَت الأَرض}} ونظيره: {{يومَ تبيضُ وجوهٌ وتسودُ وجوه}} ثم ذكر ما للطائفتين فقال: {فأَما الذينَ اسودت وجوهَهُم} إلى آخره ثم جمع بينهما هنا في آخر السورة بذكر الذي يعمل الخير والشر
فى قوله “ {إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا} ” وذلك يوم القيامة تتحرك الأرض وتتضرب اضطرابا عظيما فتخرج ما فى جوفها من الموتى والإضافة للتفخيم والاختصاص؛ فهو ليس كزلزال الدنيا؛
هذا كقوله تعالى : {﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الْحَجُّ: ١] وَكَقَوْلِهِ ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾} [الِانْشِقَاقِ: ٣، ٤]
وحتى تتخيل المشهد تصور أن زلزال حدث فى الدنيا قبل يوم القيامة كيف سيكون حال الناس والأرض من تحتهم تهتز وتمور وكل يجرى فرارا من الموت ولكن يوم القيامة أين المفر ؟ترى الإنسان فى الدنيا تأخذه الصدمة قليلا عندما يعلم أنه زلزال وترى الأب يبحث عن ابناءه والعائلة تنتظر المفقودين منها بشوق ولهفة تأمل أن يكونوا أحياء ولكن الموقف يوم القيامة أشد إذ بالإنسان يجرى ولا ينظر خلفه لا يتوقف ليرى ماذا فعل أقربائه كل يقول نفسى نفسى شتان بين هزة وهزة
فقد رأينا كم الهلع الذى يصيب الناس لمجرد زلزال قوته 7 ريختر لمدة دقائق فما بالك بهزة عنيفة للأرض حتى تخرج ما فى باطنها من الموتى
“ {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)} ” أخرجت ما فى باطنها من الموتى
وفى قوله {﴿وَقالَ الإنْسانُ ما لَها﴾} أى استنكر أمرها كيف تقلب حالها بعد أن كانت ساكنة مستقرة كيف أصبحت متحركة مضطربة وألقت ما فى بطنها من أثقال إذ يقول تعالى : {” يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48} ” حينها ترى لسان حال المؤمن يقول: {﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾} (يس: 52)، بينما الكافر يقول: {﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾} (يس: 52)
وقوله {﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ }
ففى الحديث عن أبي هريرة قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : {( يومئذ تحدث أخبارها ) } قال : ” أتدرون ما أخبارها ؟ ” . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ” فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ، أن تقول : عمل كذا وكذا ، يوم كذا وكذا ، فهذه أخبارها ” رواه الترمذى حديث حسن صحيح
{” بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ” } أى أمرها وأذن لها أن تخرج ما فى بطنها
وكأن الحياة دبت فيها فتشهد لمن أطاع الله وتشكو من عصاه كأنك تسمعها تقول أشهد لفلان أنه كان من أهل المساجد وأن فلان كان كثير الصدقة وكان يفعل كذا وكذا من الخير أما العاصى فتقول بئس العبد كان لم يترك معصية إلا وفعلها إنه لأبغض من مشى على ظهرى
وأنت أيها الإنسان تريد أن تشهد لك أم عليك ؟
وقوله {“يَوۡمَئِذٖ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتٗا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ (6”}
يوم يخرج الناس متفرقين للحساب فيرى المحسن فى الدنيا ثمرة إحسانه فى هذا اليوم وما أعد الله له من الخير والدرجات فى الجنة ويرى المسىء العاصى جزاء عمله فى الآخرة وما أعد الله له من الذلة والمهانة يقال لهم : { ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾} (الإسراء: 14)
وتخيل المشهد المهيب مشهد الناس منذ بدأ الخلق وقد انشقت عنهم الأرض ليخرجوا مندفعين لا ينظر أحد إلى أحد كل يقول نفسى نفسى فلا ترى الأم تبحث عن ابنائها ولا الزوجة تفكر فى زوجها “ { لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)} [سورة عبس]
يصف صاحب الظلال هذا المشهد :فيقول وهذا أشد وأدهى . . إنهم ذاهبون إلى حيث تعرض عليهم أعمالهم ، ليواجهوها ، ويواجهوا جزاءها . ومواجهة الإنسان لعمله قد تكون أحيانا أقسى من كل جزاء . وإن من عمله ما يهرب من مواجهته بينه وبين نفسه ، ويشيح بوجهه عنه لبشاعته حين يتمثل له في نوبة من نوبات الندم ولذع الضمير . فكيف به وهو يواجه بعمله على رؤوس الأشهاد ، في حضرة الجليل العظيم الجبار المتكبر ? ! إنها عقوبة هائلة رهيبة . . مجرد أن يروا أعمالهم ، وأن يواجهوا بما كان منهم !”
{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ }
إنه لرب كريم يحاسب على مثاقيل الذر من الخير والشر وعدل لا يظلم مثقال ذرة تخيل الذرة التى لا ترى بالعين المجردة يحاسب عليها ذلك الميزان الذى لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فقد ينسى العبد ولا ينسى الرب ألا يتطلب ذلك منا أن نقف مع أنفسنا وقفة لنحاسب أنفسنا ونصلح ضمائرنا ولنستبق الخيرات ولا نستصغر أعمالنا فهى بالنية الصالحة كبيرة عند الله
ففي الصحيح : ” «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ، ولو أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط» ” وفي صحيح البخاري ، عن عدي مرفوعا : ” «اتقوا النار ولو بشق تمرة ، ولو بكلمة طيبة» ” “
حقا إنها آيه تطمع المؤمن فى رحمة الله وتنذر العاصى ليعلم أن أعماله تحصى عليه وإن كانت مثاقيل الذر فلا يستهين بها فما بالك بالكبائر من الأعمال فعن عبد الله بن مسعود ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه “
يرى المؤمن عمله ليشتد سروره ويرى الكافر عمله ليشتد أسفه وندمه وأن عمل المؤمن يربو ويتضاعف يوم القيامة بينما يحبط عمل الكافر إذ يقول تعالى: {﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾} (الفرقان: 23).
ألا يدعو ذلك للرجوع إلى الله والتعجيل بالتوبة والإنابة إلى الله
ومن الفوائد أيضا التى ترشدنا لها السورة
أن الإيمان بيوم الحساب عقيدة يجب أن تكون راسخة فى أذهان البشر لأنها المحرك الأساسى لتقوى الله والعمل لهذا اليوم
ومنها أيضا فكرة التعامل مع التغيرات الكونية على أنها نظير ليوم القيامة تبعث برسائل إلى الناس أن افيقوا وارجعوا إلى ربكم قبل أن لا ينفع مال ولا بنون فاليوم عمل بلا حساب وغدا حساب بلا عمل
المجازاة على الذرة تجعل الإنسان لا يحقرن من المعروف شيئا فهو يجازى على القليل قبل الكثير وتجعله يعمل وهو يثق فى عدل الله وأنه إن ظلم فى الدنيا فسوف ياتى الله عزوجل له بالحق يوم القيامة ممن ظلمه وان لم يقدر الناس عمله فى الدنيا فهو يعمل لله و ينتظر جزاءه فى الآخرة من الله وليس من بشر إنه الرب الذى لا تضيع عنده الحقوق
وفى النهاية قد تتصدع المنازل فيمكن بناؤها وقد تفقد الأرواح فنحتسب عند الله أجرها ولكن ماذا إذا انهارت الأخلاق وتصدعت العقيدة فتلك هى الخسارة الحقيقة
Source link