الذكاء الاصطناعي بين جدلية الخير والشر

يمثل الذكاء الاصطناعي تهديدًا للسلم والأمن الدوليين هذا ما حذّر منه الأمين العام للأمم المتحدة. وآخرون يرون أن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة أيضًا على أن يكون “قوة من أجل الخير في العالم”، ما بين الطرفين نحاول فهم ما هو الذكاء الاصطناعي.

“تطوير الذكاء الاصطناعي الآن لا يقل أهمية عن المشاريع النووية والصاروخية في العهد السوفيتي”، حقيقة ألقاها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وصدق عليها العالم فمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اتخذ قرارًا بالإجماع يدعو المجتمع الدولي إلى اتخاذ تدابير وقائية ورقابية فيما يتعلق بتلك التقنية الخطيرة.

وكما يمكن أن تؤثر بيئة الفكر المتطرف في أفكار الإنسان وسلوكياته وقد تؤدي إلى بعض الاختلالات في طبيعته البشرية، كذلك تلعب البيانات هذا الدور في تحديد سلوك الذكاء الاصطناعي وردوده، وهو ما قد يحصل بسبب بيانات التدريب نفسها، أو بسبب مجتمع المستخدمين الذين تستمر الخوارزميات بالتعلم منهم وتقليدهم، لنرى اختلالاً مشابهاً لسلوك الإنسان في الخداع والتلاعب والانغماس الكبير في الهدف المراد تحقيقه بغض النظر عن الآثار الجانبية السلبية.

 

الذكاء الاصطناعي (AI) هو برنامج حاسوب شديد التطور يحاكي السلوك البشري أو التفكير ويمكن تدريبه على حل مشكلات معينة، والذكاء الاصطناعي هو مزيج من تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق

وفي كلمته أمام المجلس، حذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن أدوات الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها من قبل أصحاب النوايا الخبيثة، وبنبرة تحمل أطناناً من القلق قال أنطونيو غوتيريش “إن الاستخدامات الضارة لأنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض إرهابية أو إجرامية أو لصالح دولة، يمكن أن تتسبب في مستويات مرعبة من الموت والدمار وتفشي الصدمات والضرر النفسي العميق على نطاق يفوق التصور”.

وأضاف أن التفاعل بين الذكاء الاصطناعي والأسلحة النووية والتكنولوجيا البيولوجية والتكنولوجيا العصبية وتكنولوجيا الروبوتات، هو “أمر مقلق للغاية”.

و يشهد الذكاء الاصطناعي في قطاع تكنولوجيا المعلومات تطورًا متسارعًا مع تصاعد المنافسة بين الشركات الكبرى التي تعمل كل منها على طرح منتجها الخاص لنيل حصة من سوق يعده البعض هو مستقبل التقنية الفعلي، فما أهم تطبيقاته ومزاياها؟

الذكاء الاصطناعي (AI) هو برنامج حاسوب شديد التطور يحاكي السلوك البشري أو التفكير ويمكن تدريبه على حل مشكلات معينة، والذكاء الاصطناعي هو مزيج من تقنيات التعلم الآلي والتعلم العميق، يتم تدريب أنواع مختلفة ونماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام كميات هائلة من البيانات ولديها القدرة على اتخاذ قرارات ذكية وأشهرها هو نموذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.

وأطلقت شركة اوبن ايه آي روبوت المحادثة Chat GPT بنسخته المجانية في نوفمبر من عام 2022 وبعدها بفترة وجيزة أطلقت نسختها المدفوعة Chat GPT 4، واستقبل العالم تطبيق الذكاء الاصطناعي الواعد بحماس شديد وشيئا فشيئاً بدأ العالم يدرك انه على أعتاب حقبة جديدة، وفقًا لأحدث البيانات المتاحة، فلدى ChatGPT حاليا أكثر من 100 مليون مستخدم، كما حقق الموقع 1.6 مليار زيارة في يونيو 2023.

في يوليو من عام 2023 أطلقت شركة غوغل برنامجها للذكاء الاصطناعي “بارد Bard” بعدة لغات محدودة ليضيف البرنامج بعدها بفترة قصيرة أكثر من 40 لغة. وإن كان البعض يعيب على النسخة المجانية لـ Chat GPT توقف معلوماتها عند العام 2021، فإن تطبيق غوغل Bard تجاوز هذه النقطة تماما.

يتفوق نموذج التوليد اللغوي لأمازون LLM على تطبيق GPT3.5 بنسبة 16 نقطة مئوية (75.17٪)، على مقياس ScienceQA، أصبح LLM الآن أكثر كفاءة في التعامل مع الأسئلة المعقدة.

أيضاً طرحت أمازون برنامج Codewhisperer والذي يساعد مطوري البرمجيات على تحسين الإنتاجية.

يعمل هذا النموذج من الذكاء الاصطناعي أيضاً بالتقنية نفسها التي يعمل بها Chat GPT، تم دمج Bing Chat في محرك بحث Bing الخاص بمايكروسوفت ، ويمكن استخدامه للإجابة على الأسئلة وإنشاء تنسيقات نصية إبداعية وترجمة اللغات.

GPT-Neo هو برنامج من EleutherAI يعتمد أيضاً على تقنية ChatGPT، ولكنه مفتوح المصدر ومجاني الاستخدام، اكتسب نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-Neo شعبية في الأشهر الأخيرة ، وقد يشكل تحديًا كبيراً لباقي نماذج الذكاء الاصطناعي في المستقبل.

سيري Siri هو أحد أشهر برامج الذكاء الاصطناعي حول العالم وتقوم شركة آبل بتطويره بشكل مستمر منذ فترة طويلة، تم دمجه مع العديد من منتجات آبل مثل الساعات الذكية والهواتف المحمولة والآيباد ويمكنه القيام بالكثير من المهام مثل تنظيم المواعيد وضبط المؤقت وتشغيل الموسيقى وتشغيل الخرائط.

تعتبر Chat Bots واحدة من أشهر وأوسع استخدامات الذكاء الاصطناعي انتشاراً حالياً حيث تقوم تلك البرمجيات بالرد على تساؤلات المستخدمين عبر الانترنت بصورة آلية وحتى الرد على الاتصالات الهاتفية وبعض النماذج الاكثر تطوراً تقوم ذاتياً بإنتاج مقاطع نصية مكتوبة متطورة بشكل كبير.

تم تطوير عدد من أنظمة الذكاء الاصطناعي لتقوم بقيادة السيارات بصورة آلية Self-driving Cars دون تدخل بشري حيث تستخدم الكاميرات المتصلة بالأقمار الاصطناعية في استكشاف الطريق وتخطي العوائق والزحام وتلتزم بإرشادات المرور المختلفة.

هل حقًا يمثل الذكاء الاصطناعي تهديدًا للسلم والأمن الدوليين كما حذّر الأمين العام للأمم المتحدة؟ سؤال طرحه أكادميون على برنامج الذكاء الاصطناعي “غوغل بارد”، وتم أخذ الإجابة المكتوبة واستخدام برنامج ذكاء اصطناعي آخر حوّلها إلى صوت ونص مكتوب، فكانت إجابته أنه ليس خيرًا أو شرًا محضًا، ولكن الأمر يتوقف على كيفية تطويره واستخدامه.

وكانت الإجابة نصًا كالتالي “الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على أن يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين بعدة طرق”، وضرب مثلًا بإمكانية استخدامه في تطوير أنظمة أسلحة مستقلة تستطيع أن تقتل دون تدخل بشري.

وأضاف “يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير هجمات إلكترونية أكثر تطورًا تستطيع أن تعطل البنية التحتية أو تسرق البيانات الحساسة”، وتابع “ويمكن أيضًا استخدامه لنشر المعلومات المضللة والدعاية والتلاعب بالرأي العام”.

لكنه أكد في المقابل أنه يجب ملاحظة أن الذكاء الاصطناعي لديه أيضا القدرة على أن يكون “قوة من أجل الخير في العالم”، وضرب على ذلك أمثلة عدة، منها “يمكن استخدامه في تطوير علاجات طبية جديدة أو لتحسين الاستدامة البيئية أو لإنشاء أنظمة نقل أكثر كفاءة”، واختتم “غوغل بارد” إجابته بالقول “في النهاية سيعتمد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين على كيفية تطويره واستخدامه”.

 

وازدادت المخاوف بشأن التقنيات والأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتوقع البعض أن تحل محل البشر في الوظائف منذ أن انتشر ChatGPT في أواخر العام الماضي.

وفي زاوية أخرى للذكاء الاصطناعي، لاحظ العالم الأمريكي “آفي لوب” وجه الشبه بين المخلوقات الفضائية والروبوتات، وأشار إلى احتمال أن تتواصل المخلوقات الفضائية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي قبل أن تتصل مع البشر. وأضاف أن الوصول إلى الفضاء يسهل على أنظمة الذكاء الاصطناعي لأنها تستطيع اجتياز رحلتها بسلام.

كما أن وكالات الفضاء في جميع أنحاء العالم بما فيها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية تستخدم منذ سنوات تقنيات الذكاء الاصطناعي لرسم المجرات والنجوم وإرسال روبوتات إلى كواكب أخرى، ورجح لوب أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ستكون لغة الحوار بين البشر والمخلوقات الفضائية.

وازدادت المخاوف بشأن التقنيات والأدوات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتوقع البعض أن تحل محل البشر في الوظائف منذ أن انتشر ChatGPT في أواخر العام الماضي.

وتحول الذكاء الاصطناعي أيضاً إلى أداة لإنتاج قصص الرعب، فكما ظل لقرون خلق عاطفة عميقة مثل الخوف أحد أهم أشكال الإبداع البشري، فقد استخدم هذا النوع من الذكاء الاصطناعي لإنتاج الرعب بشكله الإبداعي، كما في نموذج Shelly، وهو ذكاء اصطناعي طور عام 2017 لكتابة القصص الإبداعية المخيفة بالتعاون مع البشر، وبعد أن استخدمت مجموعة من قصص الرعب في تدريب Shelly، صار قادراً على أخذ نص قصير من أفكار الإنسان الكابوسية لإنتاج قصص ذات طابع إبداعي مخيف.

الأمر لا يقف عند التطبيقات العلمية ولا حتى التقنيات الحربية، بل وصل إلى أروقة أجهزة المخابرات في العالم، وقال رئيس جهاز الاستخبارات البريطانية الخارجي (إم آي 6 ) إن الذكاء الاصطناعي سيغير عالم التجسس، لكنه لن يحل محل الحاجة إلى جواسيس من البشر.

وتحدث ريتشارد مور، مدير وكالة الاستخبارات الأجنبية في المملكة المتحدة، في براغ حول التهديدات المتطورة التي يواجهها الغرب من روسيا وإيران، مجادلا أن “العامل البشري” سيظل حاسمًا في عصر الذكاء الاصطناعي سريع التطور.

وقال مور “سيتيح الذكاء الاصطناعي المعلومات أكثر إتاحة ويسرًا بلا حدود، وقد يتساءل البعض عما إذا كان سيخرج أجهزة الاستخبارات مثل جهازي هذا من الخدمة”.

مور، الذي حذر في السابق من أن الغرب يتخلف عن منافسيه في سباق الذكاء الاصطناعي، ذكر أيضًا أن “الخصائص الفريدة لوضع عملاء من البشر في الأماكن الصحيحة ستظل الأكثر أهمية”، مسلطًا الضوء على قدرة الجواسيس على “التأثير على عمليات اتخاذ القرار داخل الحكومة أو داخل جماعة إرهابية “.

واختار مور إلقاء خطاب في العاصمة التشيكية، موطن حركة الحرية “ربيع براغ” عام 1968 التي سحقتها الدبابات السوفيتية، أما الخطاب الوحيد الذي ألقاه مور في نوفمبر 2021 أي منذ تولى رئاسة الجهاز قبل نحو ثلاث سنوات، تطرق إلى القوة والتهديد الذي يشكله الذكاء الاصطناعي.

وفيه اتهم الغرب بالتباطؤ في حساب التأثير التخريبي للذكاء الاصطناعي، والتخلف عن الأعداء الذين “يضخون الأموال والطموح” في الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتطورة.

وحينها قال إن الصين هي “الأولوية القصوى الوحيدة” لجهازه، وإن بريطانيا وحلفاءها ”يجب أن يتحدوا لردع النشاط الروسي الذي يتعارض مع النظام الدولي القائم على القواعد”، وبعد ثلاثة أشهر غزت روسيا أوكرانيا!

ختاماً يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي أصبح منتشراً بصورة متزايدة في الحياة اليومية،  ويمكن أن يمثل بوابة للتقدم والرقي وفي الوقت نفسه قد يمثل خطرا متزايد فهل يمكنك أن تتخيل الذكاء الاصطناعي في مسرح القتال، والأمر برُمّته يُدار بواسطة الحواسيب، وبسرعة لم يعد بإمكان البشر التدخل فيها، وليست لدينا القدرة على وقف هذا التصعيد.

 ________________________________________________
الكاتب: 
. أسامه عبدالرحيم


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

شرح دعاء من خاف ظلم السلطان

اللَّهُمَّ رَبَّ السَّـمَواتِ السَّبْعِ، ورَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، كُنْ لِي جَاراً مِنْ فُلاَنِ بْنِ فُلانٍ، وأحْزَابِهِ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *