منذ حوالي ساعة
نسمع ونشاهد على النت ووسائل الإعلام دائمًا وباستمرار عن بعض الذين يدَّعون الدعوة إلى الله، ويدَّعون العلم، وهم يثيرون الأحقاد والفتن في المسلمين على المسلمين، وتسمع الازدراء والطعن والاحقاد من المسلم لأخيه المسلم.
إنَّ من صدقِ الإيمان المؤمن الدعاء بقولة: {ربنا لَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10].
أيُّها المسلم: كم تستشعر لذة الإيمان في قلبك وأنت تناجي ربك بهذا الدعاء؟ هل شعرت أنك في الجنة؟ وقد انشرح صدرك وامتلأ فرحًا وسرورًا وراحةً، وزالت عنك كلُّ هموم الدنيا.
أيُّها المسلم: هل شعرت أن ربك قد نزع ما في صدرك من غلٍ، فانشرح صدرك وامتلأ حبًّا لإخوانك وأنتم على سرر متقابلين؟
قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٍۢ مُّتَقَٰبِلِينَ} [الحجر – 47].
أيها المسلم: قد أكون مبالغًا فيما أقول ولكن صدقني هذه مشاعرُ تنتابني وأنا أكتب لك هذه السطور، بل إنني استشعر – إن صحَّت الرواية – قول الصحابي الجليل حارثة؛ فقد روى أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي رجلًا يُقال له: حارثة، في بعض سكك المدينة، فقال: «كيف أصبحت يا حارثة»؟ قال: أصبحت مؤمنًا حقًّا. قال: «إن لكل إيمان حقيقة، فما حقيقة إيمانك»؟، قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وكأني بعرش ربي بارزًا، وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون فيها، وكأني بأهل النار في النار يعذبون. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصبتَ فالزم، مؤمنٌ نوَّر الله قلبه»؛ (رواه البزار).
وفي مقابل هذه المشاعر والأحاسيس ينتاب الإنسان حزنًا لتفرق المسلمين شيعًا وأحزابًا وجماعات، يلعن بعضها بعضًا ويتهم بعضهم بعضًا بالكفر. ويذكر ابن رجب -رحمه الله- في جامع العلوم والحكم: لما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين، وكثر تفرقهم، كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله… ويفري بلسانه في أعراضهم، ويأكل من لحومهم.
نسمع ونشاهد على النت ووسائل الإعلام دائمًا وباستمرار عن بعض الذين يدَّعون الدعوة إلى الله، ويدَّعون العلم، وهم يثيرون الأحقاد والفتن في المسلمين على المسلمين، وتسمع الازدراء والطعن والاحقاد من المسلم لأخيه المسلم.
وهذا دافعه التعصب، واتباع الهوى لنفوس مريضة، تثير الأحقاد على المسلمين، يتسترون بلباس الدعوة والعلم، وهم ينفثون كيدهم وسمومهم في نفوس شباب المسلمين لكي يحملوا النفوس ويشحنوها بالحقد على العلماء والدعاة إلى الله، من غيرهم.
فهل لنا نحن المسلمين أن نقتدي بقول ربنا ونقول: {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]، وتكون أمانينا كما جاء في القرآن: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَٰرُ ۖ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ ۖ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ ۖ وَنُودُوٓاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43].
فقد حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 91].
ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» »؛ (رواه البخاري، ومسلم).
ونحن ينبغي أن ننصح أنفسنا -أيها المسلمون- وخصوصًا الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، قد يظهر منه نوع من التدين لكن عنده بغض وحقد موجود متأصل في نفسه، يمكن أن يمنع نفسه من الزنا والفواحش، ولا يمكن أن يمنع نفسه من الحقد والبغض، ونحن نعلم أنه لن ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم، سليم من الشرك والشبهات والشكوك والحقد والغل والحسد والبغضاء.
أيها المسلم؛ تدبر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطبقه في حياتك؛ فعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: كنا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه -ماء الوضوء الماء ينزل من اللحية من أثر الوضوء- قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك – يعني يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى – ثلاثة أيام متتالية والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم عن هذا الرجل المبشر بالجنة – فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبع عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الرجل، فقال له: إني لاحيت أبي – خاصمت أبي- فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثًا – ثلاثة أيام – فإن رأيت أن تؤويني إليك -يعني هذه الثلاث- فعلت، قال الرجل: نعم، مستعد أن آويك في بيتي- قال أنس راوي الحديث: وكان عبد الله بن عمرو يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعار – يعني استيقظ أثناء الليل – وتقلب على فراشة ذكر الله عزَّ وجلَّ وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا -ما رأيت زيادة صلاة ولا قيام ليل، ما رأيت شيئًا إلا إذا استيقظ من الليل ذكر الله، ما سمعت منه إلا ألفاظ خير فقط، ما في ميزة أخرى- فلما مضت الليال الثلاث وهو ينام عنده كل ليله يرقب أحواله، كل ليلة عندهم في البيت، قال: فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله.
قلت: يا عبد الله – مصارحة- يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر -ترى لا أنا خاصمت أبي ولا لاحيت أبي، ما في هجر بيني وبين أبي- إما أن يكون عبد الله بن عمرو استخدم التورية، أو أنه كذب لمصلحة تعلم شيء والكذبة ليس فيها ضرر على أحد، المهم لها تخريج العملية – قال: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ما هناك غضب ولا هجر، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل – الصراحة ما شفت منك شئيًا زيادة، فما الذي بلغ بك مقالة الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت -ما في إلا الذي ترى يا عبد الله بن عمرو ما في إلا الذي ترى- فلما وليت دعاني. فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا -لاحظ الآن العبارات- لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق؛ (رواه أحمد).
_____________________________________________________
الكاتب: أ. د. فؤاد محمد موسى
Source link