قال ﷺ «الدين النصيحة» لتكون سمة المجتمع الظاهرة التناصح بين أفراده وإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم..
كما تتأثر شخصية الطالبة وسلوكها بأخلاق وسلوك أسرتها التي تنشأ فيها، ومدرستها التي تتعلم بها، وقريناتها اللاتي يشاركنها في حياتها العلمية وأنشطتها الاجتماعية المتنوعة؛ فهي كذلك تتأثر بشكل كبير بما يسود مجتمعها من قيم ومثل ومبادئ أخلاقية واجتماعية، وما ينتشر فيه من عادات وتقاليد واتجاهات وأفكار، سواء كانت تسير في الاتجاه السليم، أو تسير في الاتجاه الخاطئ، فتهدم ما بناه المصلحون وتصبح شخصية الطالبة ضعيفة مترددة لا تميز بين الحق والباطل.
(وليس من قبيل المبالغة أن نذكر أن كل مجتمع يسِم أفراده بطابع خاص يميزهم عن غيرهم من أفراد المجتمعات الأخرى، ويتبدّى ذلك في تكوينهم الشخصي، وسلوكهم الخلقي، واستجاباتهم لمختلف المواقف التي تواجههم في حياتهم، وبقدر ما يكون المجتمع صالحاً وخيِّراً ومحافظاً على العقيدة والأخلاق؛ بقدر ما تكون شخصيات أعضائه سوية ومتزنة ومتكاملة، وبقدر ما يكون المجتمع طالحاً وفاسداً ومتحللاً من القيم الدينية والخلقية؛ بقدر ما تكون شخصيات أعضائه مفككة مهزوزة جانحة عن طريق الهدى والصواب، وهو ما يعود على المجتمع بالدمار والخراب)[1]، ويؤكد أثر المجتمع في سلوك الفرد ما أشارت إليه الدراسات من وجود علاقة وارتباط بين العوامل الاجتماعية وبين حالات الانحراف عند نزيلات مؤسسة رعاية الفتيات[2].
وقد أكدت السنة النبوية أثر المجتمع في سلوك أفراده حينما دعت إلى تكوين المجتمع الصالح، بتحقيق شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتناصح بين أفراده وتوجيههم إلى صلاح الدنيا والآخرة، حتى ينشأ أفراده في بيئة طاهرة نقية، محصنة من الانحرافات الخلقية والسلوكية، فقال – صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» . قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» [3]، فتكون سمة المجتمع الظاهرة التناصح بين أفراده وإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم.. وستر عوراتهم، وسد خلاّتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم..)[4].
وبناء على ما سبق فإن لكل مجتمع عناصر أساسية، توجد داخله، وتؤثر في أفراده، أهمها:
1)) ثقافة المجتمع:
وهي مجموع المعلومات والمعتقدات والنماذج السلوكية والأساليب النظامية التي ينقلها جيل إلى الأجيال اللاحقة، حيث إن الإنسان يتسم بقدرته على نقل خبراته ومعارفه ومهاراته عن طريق اكتسابها من آبائه ونقلها إلى أبنائه.
2)) الأوضاع الاجتماعية:
وهي المهام التي يتوقع من كل عضو القيام بها، ويمثلها الحقوق والواجبات التي تميز كل شخص داخل الجماعة، ولكل وضع اجتماعي مكانة اجتماعية معيّنة ترتبط بمجموعة الحقوق التي يتمتع بها شاغل هذا الوضع.
3)) المعايير الاجتماعية:
وهي مجموعة القواعد والمقاييس التي تحكم أفعال الناس وردودها تجاه الآخرين، وتسبب هذه المعايير استقرار الحياة داخل المجتمع، ومن ضمنها العادات والأعراف الاجتماعية التي تحافظ على النظام والاستقرار في المجتمعات، خاصة داخل البسيطة منها، التي تقوى بين أفرادها العلاقات الاجتماعية.
4)) القيم الاجتماعية:
وهي مجموعة القيم الموجهة لسلوك أعضاء المجتمع والتي تحقق وحدة الفكر داخله، ويمثلها الأهداف والغايات النهائية التي يسعى أعضاؤه إلى تحقيقها، بقول آخر فإن القيم تعبر عن المتطلبات والأوامر الخلقية.
5)) النظم الاجتماعية:
وتتشكل النظم من مجموعة المعايير التي تحكم عدة جوانب ومجموعة من العلاقات، بحيث تلبي هذه النظم حاجات المجتمع وتواجه مشكلاته، وهناك أربعة نظم أساسية داخل المجتمع:
1- النظام الديني: الذي يحقق الأمن النفسي للإنسان من خلال صلته بالله تعالى، ويحقق الوحدة الفكرية والعقائدية في المجتمع لأنه مصدر أساس لكثير من السلوك والأعراف السائدة.
2- نظام القرابة: الذي ينظم العلاقات الأسرية، ويهتم بنظم الزواج والمصاهرة والميراث وغيرها.
3- النظام السياسي: الذي يضبط نظام الحكم والسياسة، ويحدد المجالات المشروعة لاستخدام القوة في المجتمع.
4- النظام الاقتصادي: الذي يضبط نظم الإنتاج والاستهلاك ويزود المجتمع بحاجاته المادية اللازمة.[5]
ومن الجوانب التي تؤثر في سلوك الطالبات:
الظواهر الاجتماعية التي تنتشر في بيئتها ومحيطها، ويكون تأثيرها إيجابياً أو سلبياً تبعاً لصلاح الظاهرة ذاتها أو فسادها، فظاهرة تأخر الزواج وانتشار مشكلة العنوسة والعزوبة – على سبيل المثال – واستمرار هذه الظاهرة لفترة طويلة دون علاج أو استيعاب لأسبابها وآثارها، يخلف آثاراً وعواقب وخيمة في الأخلاق والاقتصاد والاجتماع الإنساني على المدى البعيد، كقلّة النسل، وضعف الروابط الاجتماعية، وانتشار فاحشة الزنا والشذوذ الجنسي، والانحلال الأخلاقي والانحراف السلوكي كالتبرج والسفور عند النساء، والميوعة والتخنث عند الرجال، إلى غير ذلك من الآثار التي لا تكاد تسلم منها الطالبة[6].
كما يؤثر المجتمع في سلوك الطالبات من خلال ما تراه الطالبة من تساهل المرأة المسلمة في نواح عديدة في سلوكها أو عملها أو مخالطتها للرجال، أو الخلوة بهم والتحدث معهم بكل انطلاق، أو التساهل في أمر زينتها ولباسها وحجابها، وخروجها عن حدود الشرع، وكذا في عملها في منزلها وتضييعها لمسؤولياتها بسبب كثرة خروجها منه لغير مصلحة، وتأثرها بالموضات والصيحات الوافدة من الشرق والغرب[7]، وكل هذا فيه تحريض ودعوة الفتاة للاقتداء بالنماذج التي تراها أمامها دون نكير أو تغيير.
ومن المؤثرات السلبية في سلوك الطالبة التناقض الذي تراه وتعيشه بين الواقع الاجتماعي في المجتمعات المسلمة، وبين أخلاق الإسلام ومبادئه وقيمه، فالإسلام يدعوها إلى التمسك بفضائل الأخلاق، وإلى القيام بأمانة المسؤولية، وعلى الاستقامة في كافة شؤون حياتها، بينما تشهد في واقعها مخالفة كثير ممن حولها لهذه المبادئ، حيث يصدر منهم التهاون اليوم في أوامر الدين وفروضه، ومنهم من يغلِّب مصلحته الذاتية وأهواءه وشهواته، وتعيش هذا التناقض في العديد من المؤسسات التربوية في مجتمعها، وهذا بلا ريب يحول دون إيمانها واقتناعها بمبادئ الإسلام، واستثقالها لها، والرغبة عنها، فضلا عن التمسك بها والدعوة إليها أو الذود عنها.
[1] أسس التربية الإسلامية: د. عبد الجميد الزنتاني ص 840-841.
[2] ينظر: العوامل الذاتية والاجتماعية المؤثرة في انحراف الفتيات: حياة العثمان ص 187-188.
[3] صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة 1/74ح 55.
[4] باختصار: شرح صحيح مسلم للنووي 2/29.
[5] ينظر: المنهج الإسلامي في دراسة المجتمع: د. نبيل محمد توفيق السمالوطي ص 187-216، دار الشروق، جدة، ط:2، 1406هـ/1985م.
[6] ينظر: تأخر سن الزواج: د. عبد الرب آل نواب ص209-251.
[7] ينظر: المرأة المسلمة ومسؤولياتها في الواقع المعاصر:د. فالح الصغير ص 11.
______________________________________________________
الكاتب: د. هند بنت مصطفى شريفي
Source link