منذ حوالي ساعة
حتى تكتمل بهجة وفرحة عمار المساجد، فإن عليهم احترام آداب المسجد، وقد لاحظنا بعض السلوكات التي تصدر من عمار المساجد أو أُخبرنا بها، فأحببت أن أنبِّهَ نفسي عليها أولًا…
المساجد بيوت الله وهي مكان لإقامة الصلاة وذكر الله؛ قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]، فهنيئًا لعُمَّار المساجد، فهذه شهادة الله في حقكم، لكن حتى تكتمل بهجة وفرحة عمار المساجد، فإن عليهم احترام آداب المسجد، وقد لاحظنا بعض السلوكات التي تصدر من عمار المساجد أو أُخبرنا بها، فأحببت أن أنبِّهَ نفسي عليها أولًا، ثم أنبه إخواني بضرورة تجنبها من أجل الفوز بالأجر الكبير، وإرجاع المساجد إلى أصلها في تحقيق الطمأنينة والسكينة لروَّادها، وهذا هو موضوع خطبتنا اليوم.
عباد الله: من السلوكات المنافية لآداب المسجد أذكر ما يلي:
السلوك الأول: سلوكات تتعلق بالطهارة واللباس والزينة؛ منها:
الإتيان إلى المسجد بدون وضوء، والتعويل على مرافق المسجد؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضةً من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئةً، والأخرى ترفع درجةً»[1] ، موضع الشاهد أن هذا الأجر حاصل لمن توضأ في بيته، فلماذا – رعاك الله – تترك الوضوء في بيتك؟ مرافق المسجد هي ضرورية، ولكن لنتركها لعابر السبيل، أو لأصحاب الأعذار الذين لا يستطيعون المحافظة على الوضوء طويلًا، أو من انتقض له الوضوء في المسجد أو الطريق، أو نسِيَ ولم يتذكر، فأنت تتمتع بصحة جيدة، توضأ في بيتك، ولا تزاحم رعاك الله.
ومنها: من يأتي بجوارب متسخة تصدر منها رائحة كريهة، فيطأ بها على زرابي المسجد، ويبقى أثر تلك الرائحة مما يشوش على الساجدين، ويذهب التركيز والخشوع من صلاتهم.
ومنها: ما هو مثل الجوارب، من يدخل ورائحة الدخان تنبعث منه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حق الذي يأكل الثوم أو البصل: «من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا»[2] ، فإذا كان هذا في حق من يأكل البصل والثوم، وهي طيبة نأكلها، فكيف بالمدخن؟
ومنها: من يأتي بملابس النوم وخاصةً في صلاة الفجر، فنحن نخاطب هذا الرجل: أنت لما جئت إلى المسجد، وواقف في صلاتك، بين يدي من؟ لا شك سيجيب ويقول: بين يدي الله، نقول له: لو دعيت للقاء شخصية مرموقة، هل سترضى أن تقف بين يديه بهذا اللباس؟ نقول لهؤلاء: لا تجعلوا الله أهون الناظرين إليكم؛ قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31].
ومنها: من يأتي بملابس مكتوب عليها كلام لا يفقهه هو أصلًا بلغة أجنبية، أو حتى عربية، أو رسوم، فتكون على ظهره فتشوش على الناس، نقول له: الذي وراءك منشغل بقراءة ما هو مكتوب أو مرسوم، فأنت مساهم في التشويش عليه في صلاته، فلا تفعل رعاك الله.
ومنها: نساء يأتين إلى المسجد متعطرات متجملات، في أبهى حُلَّة وفي أبهى زينة، وربما لم تغطِّ ظهور قدميها، ولا يحل لها ذلك، نقول للأخت الكريمة: مرحبًا بك في المسجد، ونهمس في أذن الرجال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»[3] ، فليس هناك من يمنعك، ولكن عليك أيضًا أن تأخذي بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «وليخرجن تَفِلات»[4] ؛ أي: غير متطيبات بزينة؛ وذلك خشية الفتنة، فإن لم تستطع أن تستجيب لهذا الشرط، فلتصلِّ في بيتها، فهذا أفضل لها؛ عوضَ أن تأخذ الوزر من حيث تظن أنها تأخذ الأجر؛ قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها»[5].
السلوك الثاني: سلوكات تتعلق بداخل المسجد؛ منها: الدخول بالقدم اليسرى، أو الخروج بالقدم اليمنى؛ بسبب الغفلة أو الجهل، فمما ينبغي أن يُعرف وأنه من سنة نبينا الدخولُ بالقدم اليمنى، والخروج باليسرى؛ كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، فلا نغفُل عن هذا.
ومنها: نسيان الذكر عند الدخول وعند الخروج، بل أكثر الناس لا يعرفونه؛ فنقول عند الدخول كما علمنا صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم»[6].
ومنها: الجلوس بدون أداء تحية المسجد؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين»[7].
ومنها: تخطي الصفوف، فمن دخل ووجد الصفوف ممتلئةً، ولم يجد فرجةً، فلا يحل له تخطي صفوف الناس وإيذاؤهم، ومن كان حريصًا على الصف الأول، فليأتِ مبكرًا، ولكن المشكلة أيضًا فيمن يأتي مبكرًا، ولكنه يجلس متأخرًا عن الصف الأول، ففاته خير كبير؛ بسبب جهله.
ومنها: حجز مكان بسجادة أو كرسي أو غيرها لأجل الصلاة فيه؛ كما يفعل التجار في السوق لحجز أمكنة للبيع، ولا يحل لهؤلاء فعل هذه الأفعال، فالأحقية في الصف لمن سبق إليه، والمسجد ليس ملكًا خاصًّا لأحد.
ومنها: إنشاد الضالة في المسجد، فمن ضاع منه شيء، فلا يحل له أن يرفع صوته لمناشدة الناس بالإتيان به؛ لِما فيه من التشويش عليهم؛ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من سمع رجلًا ينشد ضالةً في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا»[8] ، فيمكن الذهاب عند الإمام وتسره في الأمر؛ لجريان العادة أن من وجد شيئًا في المسجد فإنه يأتي به إلى الإمام، وهناك بعض المساجد فيها موضع للمفقودات، وبنفس المعنى الذين يتسولون داخل المسجد جهارًا فيشوشون على المصلين، ألَا فلينتهوا عن أفعالهم.
ومنها: الذين يتحلقون جماعات قبل الصلاة أو بعدها، فيتحدثون جهارًا في أمور الدنيا، وهب أنهم يتحدثون في أمور الدين، فهل يحل لهم التشويش على المصلين؟ كلا، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعتكف في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناجٍ ربه، فلا يؤذِيَّن بعضكم بعضًا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة، أو قال: في الصلاة»[9].
فقد رأينا سلوكاتٍ تخالف آداب المسجد في الطهارة واللباس والزينة، وكذلك بعض ما يُفعل داخل المسجد، وأختم بـ:
السلوك الثالث: سلوكات تتعلق بالصلاة في المسجد؛ منها:
ما يتعلق بالصفوف: البعض لا يحرص على تسوية الصف وسد الفُرَج، ويُظهِر عدم الرضا لو طلب منه جاره تسوية الصف، فيغضب لأجل ذلك، كما أن على الناصح أن ينصح برفق ولين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة»[10] ، وفي رواية: «من تمام الصلاة»[11] ، وفي رواية: «من حسن الصلاة»[12] ، ونرى من المسبوقين قطعة من الصف جهة اليمين، وأخرى جهة اليسار، وأخرى وسط الإمام، ألهذا الحد لا نستطيع إقامة الصف على قلب رجل واحد؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَتُسَوُّنَّ صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم»[13] ؟ وأي داء أعظم من أن يوقع الله بيننا العداوة والبغضاء واختلاف القلوب؛ بسبب عدم تسوية الصفوف؟ ونلحظ أن هناك من يصلي منفردًا وحده خلف الصف مع وجود أمكنة فارغة؛ فعن وابصة بن معبد: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف وحده، فأمره فأعاد الصلاة))[14] ، والجمهور أن هذا للاستحباب؛ لأنه على خلاف الأولَى.
ومنها: جهر المنفرد أو المسبوق جهرًا فاحشًا في الصلاة الجهرية بحيث يؤذي من حوله؛ فالجهر – نعم – واجب عند المالكية ومستحب عند البعض، وليس هذا محل الإشكال، فالإشكال في التشويش على من بجانبك، والأولَى أن نجهر لكن جهرًا يجعلنا لا نؤذي من بجانبنا.
ومنها: النظر إلى سقف المسجد أو الالتفات يمينًا وشمالًا، والواجب التركيز في الصلاة والنظر إلى محل السجود.
ومنها: ترك الأطفال مجتمعين في مكان واحد، فيُحدِثون التشويش والضحك، والذي ينبغي الأخذ بأيديهم وتعليمهم آداب المسجد برفق، وتشجيعهم، وفصل الكبار بينهم في الصفوف، وعدم طردهم كما يفعل بعض الكبار، هدانا الله وإياهم.
ومنها: اصطفاف من لا يفقه شيئًا وراء الإمام مباشرةً؛ فلا يصلحون للإنابة أو تنبيه الإمام؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لِيَلِني منكم أولو الأحلام والنُّهى»[15].
فاللهم فقهنا في ديننا، آمين.
____________________________________________________
[1] رواه مسلم برقم: 666. [2] رواه البخاري برقم: 5452. [3] رواه البخاري برقم: 900. [4] رواه أحمد في المسند برقم: 21674، وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره. [5] صحيح أبي داود برقم: 570. [6] رواه ابن ماجه برقم: 773، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه بنفس الرقم. [7] رواه البخاري برقم: 1163. [8] رواه مسلم برقم: 568. [9] السلسلة الصحيحة برقم: 1603. [10] رواه البخاري برقم: 723. [11] رواه مسلم برقم: 433. [12] رواه مسلم برقم: 435. [13] رواه مسلم برقم: 436. [14] رواه ابن حبان في صحيحه برقم: 2199، وحسَّن إسناده شعيب الأرنؤوط. [15] رواه مسلم برقم: 432.
Source link