زكاتك.. ملايين الفقراء بانتظارها فبادر بإخراجها

لأهمية فريضة الزكاة، قرنها الله تعالى مع الصلاة في اثنين وثمانين موضعا، ولأهميتها حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، وقال: «وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ»

لأهمية فريضة الزكاة، قرنها الله تعالى مع الصلاة في اثنين وثمانين موضعا، ولأهميتها حارب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، وقال: «وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ» ولما أراد قتالهم قال سيدنا عمر رضي الله عنه: (كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ، وَنَفْسَهُ، إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: (وَاللهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ)[1].

 

بل اسمع معي إلى هذا المشهد الذي يحدثنا الله تعالى فيه عن أهل الشقاء، والخسران المبين، الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، كيف يصرخ أحدهم وينوح في أرض المحشر، فقال تعالى عن هذا المشهد: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ} [2].

 

هكذا يقول: على سبيل التحسر والتفجع {يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ} أي: يا ليتني لم أعط هذا الكتاب؛ لأنه يعلم ان إعطاءه كتابه بشماله علامة على هلاكه وعذابه، فَيَقُولُ: {يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ} أي: ويا ليتني لم أعرف شيئا عن حسابي؛ لأن هذه المعرفة التي لم يحسن الاستعداد لها، أوصلته إلى العذاب المبين، ثم يقول:( {يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ} ) أي: ليت الموتة التي متُّها وذقتها في الدنيا كانت هي القاطعة لأَمري ولم أُبعث بعدها ولم أَنل وأَلق ما أَلقاه من العذاب المهين، فقد صار إِلى أَمر أَشد إِيلاما ومرارة من الموت فتمناه عنده.

 

قال قَتَادَةَ رحمه الله عن هذه الآية: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} تَمَنَّى الْمَوْتَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَكْرَهَ عِنْدَهُ مِنَ الْمَوْتِ “[3].

 

ثم يقول: {مَا أَغْنَى عَنّى مَالِيَهْ هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ} يعني أن هذا المال الذي جمعته في الدنيا وكنت أتفاخر به أمام الناس، لم يدفع عني من عذاب الله تعالى شيئا، وذهب ملكي وتسلطي وبطشي وجبروتي وبقيت ذليلا مهينا.

 

وخلال هذا التفجع والتحسر الطويل، يأتي النداء من الله تعالى فيأمر زبانية جهنم قائلا لهم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاْسْلُكُوهُ} أي: خذوه مكبّلا بالقيود والسلاسل والأغلال، بجمع يده إلى عنقه في الغلّ، ثم أدخلوه الجحيم ليصلى حرّها، ثم أدخلوه في سلسلة طولها سبعون ذراعا تلفّ على جسمه، لئلا يتحرّك.

 

ولماذا كل هذا العذاب والهوان والخزي على رؤوس الخلائق؟

فيأتي الجواب من الله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [4].

 

قال النسفي (رحمه الله): ” وفيه- أي: في قوله تعالى: {وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ} – إشارة إلى أنه كان لا يؤمن بالبعث لأن الناس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم وإنما يطعمونهم لوجه الله ورجاء الثواب في الآخرة، فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم أي أنه مع كفره لا يحرّض غيره على إطعام المحتاجين، وفيه دليل قوي على عظم جرم حرمان المسكين لأنه عطفه على الكفر، وجعله دليلًا عليه وقرينة له، ولأنه ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض إذا كان بهذه المنزلة فتارك الفعل أحق”[5].

 

هذه الآيات المزلزلة للقلوب هي التي جعلت أبا الدرداء رضي الله عنه العابد الزاهد يحث زوجته على الانفاق والتصدق على المساكين ويقول لها: (إِنَّ لِلَّهِ سِلْسِلَةً لَمْ تَزَلْ تَغْلِي مِنْهَا مَرَاجِلُ النَّارِ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ جَهَنَّمَ إِلَى يَوْمِ تُلْقَى فِي أَعْنَاقِ النَّاسِ، وَقَدْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْ نِصْفِهَا بِإِيمَانِنَا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، فَحُضِّي عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ)[6].

 

فإذا كان هذا حال ابي الدرداء العابد الزاهد المنفق في سبيل الله، فكيف بحال الكثير اليوم وقد أصبحوا يتفننون في الهروب من الزكاة.

 

كل من يجمع المال ولا يخرج منه الزكاة، فإن هذا المال يوم القيامة سيتحول إلى صفائح من نار يكوى بها جبينه، وظهره، وجنبه قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [7].

 

هذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يفسر لنا هذه الآية فيقول: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبيلَهُ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ».

 

هل تأملت هذا المشهد؟ المال الذي يجمعه الانسان يخرج من الصباح ولا يعود حتى المساء، هذا المال سيتحول الى عدو يعذب صاحبه يوم القيامة إن لم يخرج منه حق الفقراء والمساكين، فهل تأملت معي هذا المشهد؟

 

 

وهنا نطرح سؤالًا: لم خُصّت الجباه والجنوب والظهور بالكي؟ لِمَ لم تكو اليدان التي لم تخرج الزكاة؟

 

والجواب: أن الله تعالى جعل العذاب على هذه الأعضاء؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ إِذَا رَأَى الْفَقِيرَ زَوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ – جمعه وقبضه – وَقَبَضَ وَجْهَهُ، وَإِذَا سَأَلَهُ طَوَى كَشْحَهُ، وَإِذَا زَادَهُ فِي السُّؤَالِ وَأَكْثَرَ عَلَيْهِ وَلَّاهُ ظَهْرَهُ، فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا[8].

 

هذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول عن هذه الآية: {يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] قال: “وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَا يُكْوَى عَبْدٌ بِكَنْزٍ فَيَمَسُّ دِينَارٌ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمٌ دِرْهَمًا، وَلَكِنْ يُوَسَّعُ جِلْدُهُ فَيُوضَعُ كُلُّ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَلَى حِدَتِهِ”.[9]

 

أيها الناس: هل سمعتم برجل تدعو عليه الملائكة كل صباح؟ وبماذا تدعو عليه؟ تدعو عليه بتلف ماله، وبضياعه، وسرقته؛ لأنه لم يخرج زكاة ماله ولم ينفق منه في سبيل الله.

 

اسمع الى الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو يقول:  «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلاَّ مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا»[10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا تَلِفَ مَالٌ فِي بَرٍّ وَلَا بَحْرٍ إِلَّا بِمَنْعِ الزَّكَاةِ»[11].

 

والدنيا خير شاهد على ذلك فكم سمعنا ورأينا من أناس كانوا لا يخرجون زكاة اموالهم، ولا ينفقونها في سبيل الله، وحرموا الفقراء من أموالهم، فحرمهم الله تعالى من هذا المال، اما بحريق، او بسرقة، او بصرفه لمعالجة الأمراض.

 

ألا يخاف الغني الهارب من الزكاة أن يكون حاله كهؤلاء؟ أيرضى ان تدعو عليه ملائكة الله كل صباح بتلف ماله؟

 

فيا من جمعتم أموالًا كثيرة اعلموا أن الله يعلم بما في قلوبكم، فإياكم من التحايل، إياكم من أن تخرجوا شيئا قليلا من المال، وتظنوا أنكم أخرجتم زكاتكم، أسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.

 

اجعلوا في بالكم تلك الساعة التي ستفارقون فيها الدنيا وستتركون أموالكم كلها وستتمنون ساعتها لو ترجعون الى الدنيا من اجل ان تفعلوا شيئا واحدا وهو أن تتصدقوا في سبيل الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَـلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّـدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِيـنَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[12].

 

أحببت أن أنبه على بعض المسائل التي تخص موضوع الزكاة:

أولًا: لا يصح دفع الزكاة للفروع ولا للأصول، فإذا كان ابنك فقيرًا وزوجته فقيرة فادفع الزكاة إليها لا إليه وكذا إذا كانت أبنتك فقيرة وزوجها فقير فادفع الزكاة إليه لا إليها وبعد ذلك فلا مانع من أن يصرفها القابض في مصلحة الأسرة لأنها صارت ملكه.

 

ثانيًا: يجوز دفع الزكاة للأخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم إذا كانوا من أهل الزكاة ولك أجران، أجر الصدقة وأجر الصلة.

 

ثالثًا: نية دفع الزكاة واجبة ومحلها القلب لا اللسان لذلك الأفضل أن لا تقول للفقير هذه زكاة أو من حق الله بل ادفعها إليه وفي قلبك إنها زكاة وإذا كان من أهل الوجاهة أو عزيز قوم فلا مانع أن تتظاهر له بالهدية وفي قلبك هي زكاة، وتجوز النية ما دام المال بيدك أو استلمه الفقير وهو بيده أما بعد ذلك فلا تصح النية ولا يكفي المال المدفوع عن الزكاة، وإذا عزلت مبلغ الزكاة بنيتها فإنها تكفي ولا يشترط التذكير بها عند الدفع.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


[1] صحيح مسلم، كتاب الإيمان– بَابُ الْأَمْرِ بِقِتَالِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ: (1/ 51)، برقم (20).

[2] سورة الحاقة: الآيات (25-27).

[3] جامع البيان للطبري: (23/ 587).

[4] سورة الحاقة: الآيات (33-34).

[5] تفسير النسفي: (4/ 225).

[6] الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجَلَال السُّيُوطي:(8/ 274).

[7] سورة التوبة: الآيات (34-35).

[8] ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (8/ 129).

[9] جامع البيان للطبري: (14 /233).

[10] صحيح البخاري، كتاب الزكاة- باب قول الله تعالى ( فأما من أعطى واتقى..): (2 /142)، برقم (1442)، ومسلم، كتاب الزكاة- بَابٌ فِي الْمُنْفِقِ وَالْمُمْسِكِ: (2 /700)، برقم(1010).

[11] أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال أخرجه الطبراني في الأوسط مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: (3 /63).

[12] سورة المنافقون: الآيات (9-11).


Source link

عن Mohamed Alsharif

شاهد أيضاً

خطر الإلحاد (2) – طريق الإسلام

منذ حوالي ساعة السفر إلى بلاد الكفار للدراسة أو غيرها دون التقيد بالضوابط الشرعية -القراءة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *