قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صَبَرَ، فكان خيرًا له»؛ (رواه مسلم).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
ويقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرَّاءُ شَكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ صَبَرَ، فكان خيرًا له»؛ (رواه مسلم).
وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما: ((أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفِد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده: «ما يكن عندي من خير فلن أدَّخرَه عنكم، ومن يستعفف يُعِفَّه الله، ومن يستغْنِ يُغْنِه الله، ومن يتصبَّر يصبِّره الله، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»؛ (متفق عليه).
ففي هذا الحديث أن من رزقه الله الصبر على ضيق العيش أو مكارهِ الدنيا، فقد أعطاه الله خيرًا كثيرًا.
أيها الإخوة في الله، إن الصبر له أنواع ثلاثة:
١- الصبر على طاعة الله.
٢- الصبر عن معاصي الله.
٣- الصبر على أقدار الله المؤلمة.
فينبغي للمسلم أن يحرص على الصبر؛ فإن منزلته عظيمة عند الله، فهو منزلة المتقين المؤمنين الصادقين، وبهذه المنزلة يصبح المؤمن له مكانة عظيمة عند الله، ويكون الله معه؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153].
فهذه المنزلة من أعظم المنازل؛ حيث إن الله سبحانه وتعالى معك، وهو أيضًا من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة؛ فقد قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].
أيها الأَحِبَّةُ، ولا بد أن يكون الصبر عند مفاجأة المصيبة أو غيرها؛ لِما روى أنس رضي الله عنه أنه قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: «اتَّقي الله واصبري»، فقالت: إليك عني؛ فإنك لم تُصَب بمصيبتي، ولم تعرِفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»؛ (متفق عليه)؛ فثواب الصبر يحصل عند مفاجأة المصيبة.
وإن من الفعل الحسن أن المؤمن إذا أصابته مصيبة – لا قدَّر الله – في أهله أو ماله أو غير ذلك، صبر على هذه المصيبة، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فهو خير له بإذن الله عز وجل؛ يقول سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 155، 156].
فما أعظم هذه البشارة من الله سبحانه وتعالى! فاصبر وأبْشِرْ؛ فإن الله لن يضيع أجر الصابرين؛ يقول الله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]؛ أي: بشِّرهم بأنهم يُوفَّون أجرهم بغير حساب؛ (تفسير السعدي)، فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة.
وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ((ألَا أُرِيك امرأةً من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أُصرَع، وإني أتكشَّف، فادْعُ الله تعالى لي، قال: «إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله تعالى أن يعافيكِ»، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشَّف فادعُ الله ألَّا أتكشَّف، فدعا لها))؛ (متفق عليه).
ففي هذا الحديث فضل الصبر على البلاء، وعظم ثواب مَن فوَّض أمره إلى الله تعالى.
وقد قلت:
الصبر مفتاح الفرج
يا من بحثت عن الفرج
كم صابرًا ضاقت به
بالصبر ضائقة انفرج
أيها الإخوة، والصبر على الأذى صبر عظيم؛ فالأنبياء والرسل أُوذُوا فصبروا؛ فهذا يوسف عليه السلام أُوذِيَ من إخوته فصبر، فكان ذا شأن عظيم، وهذا موسى عليه السلام أُوذِيَ من فرعون وقومه فصبر فنجاه الله، وهذا نوح عليه السلام يصنع السفينة، ويسخر منه قومه، فصبر، فنجَّاه الله ومن معه، وأغرق من كفر به، وهذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم أُوذِيَ من قريش فصبر، فهو أفضل خلق الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام؛ قال جل وعلا: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127]؛ أي: واصبر – أيها الرسول – على ما أصابك من أذًى في الله حتى يأتيَك الفرج، وما صبرك إلا بالله، فهو الذي يعينك عليه ويثبتك، ولا تحزن على من خالفك ولم يستجِبْ لدعوتك، ولا تغتمَّ من مكرهم وكيدهم؛ فإن ذلك عائد عليهم بالشر والوبال؛ (التفسير الميسر).
فلا تحزن – يا أخي – ولا تيأس؛ فإن الفَرَجَ قادم بالصبر بإذن الله، فبعض الكُرُبات قد تحمل في طيَّاتها كرامات؛ فهذه مريم قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: 23]، ولم تعلم أن في بطنها نبيًّا؛ وهو عيسى ابن مريم عليه السلام، فاصبر ولا تحزن ولا تيأس، إن طال بك البلاء.
اللهم اجعلنا من الصابرين الذاكرين الشاكرين لك يا رب العالمين، هذا والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
Source link