سورة التين
مكية
بسم الله
الرحمن الرحيم
وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ ( 1 ) وَطُورِ سِينِينَ ( 2 ) وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ
( 3 ) .
( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) قال ابن عباس، والحسن،
ومجاهد، وإبراهيم، وعطاء بن أبي رباح، ومقاتل، والكلبي: هو تينكم [ هذا ] الذي تأكلونه، وزيتونكم هذا
الذي تعصرون منه الزيت.
قيل: خص
التين بالقسم لأنها فاكهة مخلصة لا عجم لها، شبيهة بفواكه الجنة. وخص الزيتون
لكثرة منافعه، ولأنه شجرة مباركة جاء بها الحديث، وهو ثمر ودهن يصلح للاصطباغ
والاصطباح.
وقال
عكرمة: هما جبلان. قال قتادة: « التين
» : الجبل
الذي عليه دمشق، و «
الزيتون » : الجبل
الذي عليه بيت المقدس، لأنهما ينبتان التين والزيتون.
وقال
الضحاك: هما مسجدان بالشام. قال ابن زيد: « التين » : مسجد
دمشق، و «
الزيتون » : مسجد
بيت المقدس. وقال محمد بن كعب: « التين
» مسجد
أصحاب الكهف، و «
الزيتون » : مسجد
إيليا. (
وَطُورِ سِينِينَ ) يعني الجبل
الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، وذكرنا معناه عند قوله: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ
مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ (
المؤمنون - 20 ) . ( وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ ) أي الآمن، يعني: مكة، يأمن
فيه الناس في الجاهلية والإسلام، هذه كلها أقسام، والمقسم عليه قوله:
لَقَدْ
خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ( 4 )
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ( 5 ) إِلا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 6 )
( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) أي:
أعدل قامة وأحسن صورة، وذلك أنه خلق كل حيوان منكبًا على وجهه إلا الإنسان خلقه
مديد القامة، يتناول مأكوله بيده، مُزَينَّا بالعقل والتمييز. ( ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ
سَافِلِينَ ) يريد
إلى الهرم وأرذل العمر، فينقص عقله ويضعف بدنه، والسافلون: هم الضعفاء والزَّمْنَى
والأطفال، فالشيخ الكبير [
أسفل ] من
هؤلاء جميعا، [ « وأسفل سافلين » نكرة تعم الجنس، كما تقول:
فلان أكرم قائم فإذا عرَّفت قلت: أكرم القائمين. وفي مصحف عبد الله « أسفل السافلين » ] .
وقال
الحسن، وقتادة، ومجاهد: يعني ثم رددناه إلى النار، يعني إلى أسفل السافلين، لأن
جهنم بعضها أسفل من بعض.
قال أبو
العالية: يعني إلى النار في شر صورة، في صورة خنـزير. ثم استثنى فقال: ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا ) [ فإنهم لا يردون إلى النار.
ومن قال بالقول الأول قال: رددناه أسفل سافلين، فزالت عقولهم وانقطعت أعمالهم، فلا
يكتب لهم حسنة إلا الذين آمنوا ] . ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فإنه يكتب لهم بعد الهرم،
والخرف، مثل الذي كانوا يعملون في حال الشباب والصحة.
قال ابن
عباس: هم نفرٌ رُدوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل
الله تعالى عذرهم. وأخبر أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم .
قال
عكرمة: لم يضر هذا الشيخ [
كبره ] إذ ختم
الله له بأحسن ما كان يعمل .
وروى
عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال: « إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات » قال: « إلا الذين [ آمنوا ] » قرءوا القرآن، وقال: من قرأ القرآن
لم يرد إلى أرذل العمر (
فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) غير مقطوع، لأنه يكتب له كصالح ما كان يعمل. قال الضحاك:
أجر بغير عمل، ثم قال: إلزامًا للحجة:
فَمَا
يُكَذِّبُكَ بَعْد بِالدِّينِ ( 7 ) أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ( 8 )
( فَمَا يُكَذِّبُكَ ) [ أي: أمن يكذبك . وقيل: أي
شيء يكذبك؟ أي يحملك على الكذب، وقيل على التكذيب ] أيها الإنسان، ( بَعْد ) أي بعد
هذه الحجة والبرهان، (
بِالدِّينِ )
بالحساب والجزاء، والمعنى: ألا تتفكر في صورتك وشبابك وهرمك فتعتبر، وتقول: إن
الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني، فما الذي يكذبك بالمجازاة بعد هذه
الحجج؟ (
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) بأقضى القاضين، قال مقاتل: [ أليس الله ] يحكم بينك وبين أهل التكذيب [ بك ] يا محمد.
وروينا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من قرأ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فانتهى إلى آخرها: » أليس الله بأحكم الحاكمين « فليقل: بلى، وأنا على ذلك من
الشاهدين » .
أخبرنا
عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا
محمد بن إسماعيل، أخبرنا أبو الوليد، حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت الأنصاري قال:
سمعت البراء بن عازب قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء
في إحدى الركعتين بالتين والزيتون .