تفسير الطبري

تفسير الآية رقم 91 من سورة الأعراف

القول في تأويل قوله : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)
قال أبو جعفر : يقول: فأخذت الذين كفروا من قوم شعيب ، الرجفة. وقد بيّنت معنى " الرجفة " قبل ، وأنها الزلزلة المحركة لعذاب الله. (16)
* * *
( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، على ركبهم ، موتَى هلكى. (17)
* * *
وكانت صفة العذاب الذي أهلكهم الله به ، كما:-
14863-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ، قال: إن الله بعث شعيبًا إلى مدين، وإلى أصحاب الأيكة = و " الأيكة " ، هي الغيضة من الشجر = وكانوا مع كفرهم يبخَسون الكيل والميزان، فدعاهم فكذبوه، فقال لهم ما ذكر الله في القرآن، وما ردُّوا عليه. فلما عتوا وكذبوه، سألوه العذابَ، ففتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم، فأهلكهم الحرّ منه، فلم ينفعهم ظلٌ ولا ماء. ثم إنه بعثَ سحابةً فيها ريحٌ طيبة، فوجدوا بَرْدَ الرّيح وطيبِها، فتنادوا: " الظُّلّةَ، عليكم بها " ! فلما اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم، انطبقت عليهم فأهلكتهم، فهو قوله: فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ، [سورة الشعراء: 189].
14864-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، كان من خبر قصة شعيب وخبر قومه ما ذكر الله في القرآن. كانوا أهلَ بخسٍ للناس في مكاييلهم وموازينهم، مع كفرهم بالله ، وتكذيبهم نبيَّهم . وكان يدعوهم إلى الله وعبادته ، وترك ظلم الناس وبخسهم في مكاييلهم وموازينهم ، فقال نُصْحًا لهم ، وكان صادقا: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ، [هود: 88]. قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم= فيما ذكر لي يعقوب بن أبي سلمة= إذا ذكر شعيبًا قال: " ذاك خطيب الأنبياء "! لحسن مراجعته قومه فيما يرادُ بهم. فلما كذَّبوه وتوعَّدوه بالرَّجْم والنفي من بلادهم ، وعتوا على الله، أخذهُم عذاب يوم الظُّلة ، إنه كان عذاب يوم عظيم. فبلغني أن رجلا من أهل مدين يقال له : عمرو بن جلهاء، لما رآها قال : يَـا قَـوْم إنَّ شُـعَيْبًا مُرْسَـلٌ فَـذَرُوا
عنكـم سُـمَيْرًا وَعِمْـرَانَ بْـنَ شَـدَّادِ
إنِّـي أَرَى غَبْيَـةً يَـا قَـوْم قَدْ طَلَعَتْ
تَدْعُـو بِصَـوْتٍ عَـلَى صَمَّانَةِ الْوَادِي (18)
وَإِنَّكـمْ لَـنْ تَـرَوْا فِيهَـا ضَحَـاءَ غَدٍ
إلا الــرَّقِيمَ يُمَشِّــي بَيْــنَ أنْجَـادِ (19)
و " سمير " و " عمران " ، كاهناهم= و " الرقيم " ، كلبهم. (20)
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق (21) قال: فبلغني ، والله أعلم ، أنَّ الله سلط عليهم الحرّ حتى أنضجهم، ثم أنشأ لهم الظُّلةَ كالسحابة السوداء، فلما رأوها ابتدرُوها يستغيثون ببَرْدها مما هم فيه من الحر، حتى إذا دَخلوا تحتها ، أطبقت عليهم، فهلكوا جميعًا، ونجى الله شعيبًا والذين آمنوا معه برحمته.
14865-حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني أبو عبد الله البجلي قال: " أبو جاد " و " هوّز " و " حُطّي" و " كلمون " و " سعفص " و " قرشت " ، أسماء ملوك مدين، وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب " كلمون "، فقالت أخت كلمون تبكيه:
كَلَمُــونٌ (22) هَــــــدَّ رُكْنِـــي
هُلْكُــــهُ وَسْــــطَ المَحَلَّـــهْ
سَــــيِّدُ الْقَـــوْمِ أَتَـــاهُ الْـ
حَـــتْفُ نَــارًا وَسْــطَ ظُلَّـــةْ
جُــــعِلَتْ نَـــارًا عَلَيْهِـــمْ ,
دَارُهُــــــمْ كَالْمُضْمَحِلَّـــــةْ (23)
---------------------
الهوامش :
(16) انظر تفسير"الرجفة" فيما سلف ص: 544 ، 545.
(17) انظر تفسير"الجثوم" فيما سلف: ص: 545 ، 546.
(18) في المطبوعة: "إني أرى غيمة" ، وهي كذلك في قصص الأنبياء ، وفي المخطوطة ما أثبت ، وهي في الدر المنثور"عينة" خطأ ، صوابه ما أثبت.
و"الغبية" (بفتح فسكون): الدفعة الشديدة من المطر ، وقيل: هي المطرة ليست بالكثيرة. وأراد بها هنا سحابة ذات غبية. و"الصمانة". و"الصمان" ، أرض صلبة ذات حجارة إلى جنب رمل.
(19) في المطبوعة والمخطوطة: "وإنكم إن تروا" ، والصواب ما أثبت ، وفي قصص الأنبياء: "فإنه لن يرى فيها" ، وفي الدر المنثور: "فإنه لا يرى". وكان في المطبوعة: "ما فيها إلا الرقيم..." زيادة مفسدة للوزن ، ليست في المخطوطة ، ولعلها من الطباعة. و"الأنجاد" جمع"نجد" ، وهي الأرض المرتفعة. و"الضحاء" بفتح الضاد ، ممدودًا ، مثل"الضحى" (بضم الضاد) ، وهو إذا امتد النهار وقارب أن ينتصف. وكان في المطبوعة: "ضحاة غد".
(20) الأثر: 14869- الدر المنثور 3: 103 ، وقصص الأنبياء للثعلبي: 144.
(21) في المطبوعة و المخطوطة: "أبو سحق" ، وهو خطأ ظاهر.
(22) في المطبوعة والمخطوطة: "كلمون"، هكذا، وفي التاريخ 1: 99، وسائر الكتب"كلمن"، فتركتها على حالها هنا.
(23) الأثر: 14871-"أبو عبد الله البجلي" ، لم أجد من يكنى بها ، ولكن روى أبو جعفر في تاريخه مثل هذا الخبر ، في ذكر هلاء الملوك (1: 99) ، وإسناد يفسر هذا الإسناد قال:
"حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة بن الفضل ، عن يحيى بن العلاء ، عن القاسم بن سلمان ، عن الشعبي قال: أبجد ، وهوز ، وحطي ، وكلمن ، وسعفص ، وقرشت ، كانوا ملوكًا جبابرة..."
و"يحيى بن العلاء البجلي" ، كنيته"أبو سلمة" ، ويقال"أبو عمرو". ولم أجد كنيته"أبو عبد الله" ، ولكن ظاهر هذا الإسناد يرجح أن"أبا عبد الله البجلي" ، هو نفسه"يحيى بن العلاء البجلي" ، والله أعلم.
و"يحيى بن العلاء البجلي" ، قال أحمد: "كذاب يضع الحديث. مترجم في التهذيب ، والكبير 4/ 2 / 297 ، وابن أبي حاتم 4 2/ 179.
وهذا الخبر رواه البغوي (هامش تفسير ابن كثير 3: 520) ، وقصص الأنبياء للثعلبي: 144 ، عن أبي عبد الله البجلي ، وفيها جميعًا"كلمن" ، وزدت منها ما بين القوسين ، ولكني كتبته كأخواته في المخطوطة.
وروي في البغوي: "كلمن قد هد ركني" ، وفي قصص الأنبياء: "كلمن أهدد ركني" ، ولا أدري ما هذا!!