تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 2 من سورة العاديات
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) والقَدْح : حكّ جسم على آخر ليقدح ناراً ، يقال : قدح فأورَى . وانتصب { قدحا } على أنه مفعول مطلق مُؤكّد لعامله . وكل من سنابك الخيل ومناسم الإِبل تقدح إذا صَكَّت الحجر الصَّوَّان ناراً تسمى نار الحُباحب ، قال الشنفرى يشبِّه نفسه في العدو ببعير
: ... إذا الأمْعَز الصَّوَّان لاقَى مَناسمي
تَطَايَر منه قَادح ومُفلَّل ... وذلك كناية عن الإِمعان في العدو وشدة السرعة في السير .
ويجوز أن يراد قَدح النيرَان بالليل حين نزولهم لحاجتهم وطعامهم ، وجُوز أن يكون { الموريات قدحاً } مستعار لإِثارة الحرب لأن الحرب تشبَّه بالنار . قال تعالى : { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها اللَّه } [ المائدة : 64 ] ، فيكون { قدحاً } ترشيحاً لاستعارة { الموريات } ومنصوباً على المفعول المطلق ل { الموريات } وجُوز أن يكون { قدحاً } بمعنى استخراج المرق من القِدر في القداح لإِطعام الجيش أو الركْب ، وهو مشتق من اسم القَدَح ، وهو الصحفة فيكون { قدحاً } مصدراً منصوباً على المفعول لأجله .
والمغيرات : اسم فاعل من أغار ، والإِغارة تطلق على غزو الجيش داراً وهو أشهر إطلاقها فإسناد الإِغارة إلى ضمير { العاديات } مجاز عقلي فإن المغيرين راكبوها ولكن الخيل أو إبل الغزو أسباب للإِغارة ووسائل .
وتطلق الإِغارة على الاندفاع في السير .