تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 5 من سورة الإسراء
والوعد مصدر بمعنى المفعول ، أي موعود أولى المرتين ، أي الزمان المقدر لحصول المرة الأولى من الإفساد والعلو ، كقوله : { فإذا جاء وعد ربي جعله دكاً } [ الكهف : 98 ].
ومثل ذلك قوله : { وكان وعداً مفعولا } أي معمولاً ومنفذاً .
وإضافة { وعد } إلى { أولاهما } بيانية ، أي الموعود الذي هو أولى المرتين من الإفساد والعلو .
والبعث مستعمل في تكوين السير إلى أرض إسرائيل وتهيئة أسبابه حتى كأن ذلك أمر بالمسير إليهم كما مر في قوله : { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } في سورة [ الأعراف : 167 ] ، وهو بعث تكوين وتسخير لا بعث بوحي وأمر .
وتعدية { بعثنا } بحرف الاستعلاء لتضمينه معنى التسليط كقوله : { ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب } [ الأعراف : 167 ].
والعِباد : المملوكون ، وهؤلاء عباد مخلوقية ، وأكثر ما يقال : عباد الله . ويقال : عَبيد ، بدون إضافة ، نحو { وما ربك بظلام للعبيد } [ فصلت : 46 ] ، فإذا قصد المملوكون بالرق قيل : عَبيد ، لا غير . والمقصود بعباد الله هنا الأشوريون أهل بابل وهم جنود بختنصر .
والبأس : الشوكة والشدة في الحرب . ووصفه بالشديد لقوته في نوعه كما في آية سورة سليمان [ النمل : 33 ] : { قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد . } وجملة { فجاسوا } عطف على { بعثنا } فهو من المقضي في الكتاب . والجوس : التخلل في البلاد وطرقها ذهاباً وإياباً لتتبع ما فيها . وأريد به هنا تتبّع المقاتلة فهو جوس مضرة وإساءة بقرينة السياق .
و ( خلال ) اسم جاء على وزن الجموع ولا مفرد له ، وهو وسط الشيء الذي يتخلل منه . قال تعالى : { فترى الودق يخرج من خلاله } [ الروم : 48 ].
والتعريف في الديار } تعريف العهد ، أي دياركم ، وذلك أصل جعل ( ال ) عوضاً عن المضاف إليه . وهي ديار بلد أورشليم فقد دخلها جيش بختنصر وقتل الرجال وسبى ، وهدم الديار ، وأحرق المدينة وهيكل سليمان بالنار . ولفظ ( الديار ) يشمل هيكل سليمان لأنه بيت عبادتهم ، وأسر كل بني إسرائيل وبذلك خلت بلاد اليهود منهم . ويدل لذلك قوله في الآية الآتية : { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة }.