تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 17 من سورة مريم

فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) واتخاذ الحجاب : جعل شيء يَحجب عن الناس . قيل : إنها احتجبت لتغتسل وقيل لتمتشط .
والروح : الملك ، لأن تعليق الإرسال به وإضافته إلى ضمير الجلالة دلاَّ على أنه من الملائكة وقد تمثل لها بشراً .
والتمثل : تكلف المماثلة ، أي أن ذلك الشكل ليس شكل الملك بالأصالة .
و { بَشَرَاً } حال من ضمير ( تمثل ) ، وهو حال على معنى التشبيه البليغ .
والبشر : الإنسان . قال تعالى : { إني خالق بشراً من طين } [ ص : 71 ] ، أي خالق آدم عليه السلام .
والسويُّ : المُسَوّى ، أي التام الخلق . وإنما تمثل لها كذلك للتناسب بين كمال الحقيقة وكمال الصورة ، وللإشارة إلى كمال عصمتها إذ قالت : { إنِّي أعوذُ بالرحمن مِنكَ إن كُنتَ تقِيَّاً } ، إذ لم يكن في صورته ما يكره لأمثالها ، لأنها حسبت أنه بشر اختبأ لها ليراودها عن نفسها ، فبادرته بالتعوذ منه قبل أن يكلمها مبادرة بالإنكار على ما توهمته من قصده الذي هو المتبادر من أمثاله في مثل تلك الحالة .