تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 47 من سورة مريم
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) سلام عليك سلام توديع ومتاركة . وبادرهُ به قبل الكلام الذي أعقبه به إشارة إلى أنه لا يسوءه ذلك الهجر في ذات الله تعالى ومرضاته .
ومن حلم إبراهيم أن كانت متكارته أباه مثوبة بالإحسان في معاملته في آخر لحظة .
والسلام : السلامة . و ( على ) للاستعلاء المجازي وهو التمكن . وهذه كلمة تحية وإكرام ، وتقدمت آنفاً عند قوله { وسلام عليه يوم ولد >وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله وَأَدْعُو رَبِّى عسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَآءِ رَبِّى شَقِيًّا } [ مريم : 15 ].
وأظهر حرصه على هداه فقال { سأستغفر لك ربي ، أي أطلب منه لك المغفرة من هذا الكفر ، بأن يهديه الله إلى التوحيد فيغفر له الشرك الماضي ، إذ لم يكن إبراهيم تلقى نهياً من الله عن الاستغفار للمشرك . وهذا ظاهر ما في قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه } [ التوبة : 114 ]. واستغفاره له هو المحكي في قوله تعالى : { واغفر لأبي إنه كان من الضالين } [ الشعراء : 86 ].
وجملة { سأستغفر لك ربي مستأنفة ، وعلامة الاستقبال والفعل المضارع مؤذنان بأنه يكرر الاستغفار في المستقبل .
وجملة إنه كان بي حفيا تعليل لما يتضمنه الوعد بالاستغفار من رجاء المغفرة استجابة لدعوة إبراهيم بأن يوفق الله أبا إبراهيم للتوحيد ونبذِ الإشراك .
والحَفيّ : الشديد البِر والإلطاف . وتقدم في سورة الأعراف ( 187 ) عند قوله : { يسألونك كأنك حفي عنها }