تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 69 من سورة طه
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69)
والتلقّف : الابتلاع . وقرأه الجمهور بجزم { تلقّفْ في جواب قوله وَأَلْقِ }. وقرأه ابن ذكوان برفع { تلقّف على الاستئناف .
وقرأ الجمهور تلَقّف بفتح اللام وتشديد القاف .
وقرأه حفص بسكون اللاّم وفتح القاف من لقِف كفرِح .
وجملة إنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحر } مستأنفة ابتدائية ، وهي مرَكبّة من ( إنّ ) و ( مَا ) الموصولة . و { كيد ساحر } خبر ( إنّ ). والكلام إخبار بسيط لا قصر فيه . وكتب ( إنما ) في المصحف موصولة ( إنّ ) ب ( ما ) الموصولة كما توصل ب ( ما ) الكافّة في نحو { إنما حرّم عليكم الميتة } [ البقرة : 173 ] ولم يكن المتقدمون يتوخّون الفروق في رسم الخط .
وقرأ الجمهور { كيد ساحر بألف بعد السين . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف كيد سِحر بكسر السين .
وجملة ولاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أتى } من تمام الجملة التي قبلها ، فهي معطوفة عليها وحال من ضمير { إنَّمَا صَنَعُوا } ، أي لا يَنجحُ الساحر حيث كان ، لأن صنعته تنكشف بالتأمل وثبات النفس في عدم التأثّر بها . وتعريف { الساحر تعريف الجنس لقصد الجنس المعروف ، أي لا يفلح بها كلّ ساحر .
واختير فعل أتى } دون نحو : حيث كانَ ، أو حَيث حلّ ، لمراعاة كون معظم أولئك السحرة مجلوبون من جهات مصر ، وللرعاية على فواصل الآيات الواقعة على حرف الألف المقصورة .
وتعميم { حَيْثُ أتى } لعموم الأمكنة التي يحضرها ، أي بسحره .
وتعليق الحكم بوصف الساحر يقتضي أن نفي الفلاح عن الساحر في أمور السحر لا في تجارة أو غيرها . وهذا تأكيد للعموم المستفاد من وقوع النكرة في سياق النفي ، لأنّ عموم الأشياء يستلزم عموم الأمكنة التي تقع فيها .