تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 47 من سورة الصافات

لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وجملة { لا فِيها غَوْلٌ } صفة رابعة لكأس باعتبار إطلاقه على الخمر .
والغَول ، بفتح الغيْن : ما يعتري شارب الخمر من الصداع والألم ، اشتق من الغَول مصدرِ غاله ، إذا أهلكه . وهذا في معنى قوله تعالى : { لا يصدعون عنها } [ الواقعة : 19 ] .
وتقديم الظرف المسند على المسند إليه لإِفادة التخصيص ، أي هو منتففٍ عن خمر الجنة فقط دونَ ما يعرف من خمر الدنيا ، فهو قصر قلب . ووقوع { غَوْلٌ } وهو نكرة بعد { لا } النافية أفاد انتفاء هذا الجنس من أصله ، ووجب رفعه لوقوع الفصل بينه وبين حرف النفي بالخبر .
وجملة { ولا هم عنها يُنزفون } معطوفة على جملة { لا فيها غَوْلٌ .
وقدّم المسند عليه على المسند ، والمسند فعل ليفيد التقديم تخصيص المسند إليه بالخبر الفعلي ، أي بخلاف شاربي الخمر من أهل الدنيا .
و يُنزَفُونَ } مبني للمجهول في قراءة الجمهور يقال : نُزف الشارب ، بالبناء للمجهول إذا كان مجرداً ( ولا يُبنى للمعلوم ) فهو منزوف ونزيف ، شبهوا عقل الشارب بالدم يقال : نُزف دمُ الجريح ، أي أُفرغ . وأصله من : نَزفَ الرجُلُ مَاءَ البئر متعدياً ، إذا نَزحه ولم يُبق منه شيئاً . وقرأه حمزة والكسائي وخلف { يُنزِفُونَ } بضم اليَاء وكسر الزاي من أُنزف الشاربُ ، إذا ذهب عقله ، أي صار ذَا نَزَف ، فالهمزة للصيرورة لا للتعدية .