تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 45 من سورة القلم
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
وأُملي } : مضارع أمَلى ، مقصوراً بمعنى أمْهَل وأخَّر وهو مشتق من المَلاَ مقصوراً ، وهو الحِين والزمن ، ومنه قيل لليللِ والنهار : المَلَوَان ، فيكون أملى بمعنى طَوَّل في الزمان ، ومصدره إملاء .
ولام { لهم } هي اللام المسماة لام التبيين ، وهي التي تُبين اتصال مدخولها بعامله لخفاءٍ فيه فإن اشتقاق فعل أمَلى من الملْوِ ، وهو الزمان اشتقاق غيرُ بيّن لخفاء معنى الحَدَث فيه .
ونون { سنستدرجهم } نون المتكلم المشارك ، والمراد الله وملائكته الموكلون بتسخير الموجودات وربط أحوال بعضها ببعض على وجه يتم به مراد الله فلذلك جيء بنون المتكلم المشارك فالاستدراج تعلق تنجيزي لقدرةِ الله فيحصل بواسطة الملائكة الموكلين كما قال تعالى : { إذْ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتُوا الذين ءامنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق } الآية [ الأنفال : 12 ] .
وأما الإِملاء فهو علم الله بتأجيل أخْذِهم . وتعلُق العلم ينفرد به الله فلذلك جيء معه بضمير المفرد . وحصل في هذا الاختلاف تفنن في الضميرين .
ونظير هذه الآية قوله في الأعراف ( 182 183 ) : { والذين كذبُوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأُملي لهم إن كيدي متين } باعتبار أنهما وعد للنبيء بالنصر وتثبيت له بأن استمرار الكافرين في نعمة إنما هو استدراج وإملاء وضرب يشبه الكيد وأن الله بالغ أمره فيهم ، وهذا كقوله : { لا يغرنَّك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل } [ آل عمران : 196 197 ] .
وموقع { إنَّ } موقع التسبب والتعليل كما تقدم عند قوله تعالى : { إن أول بيت وضع للناس } في سورة آل عمران ( 96 ) .
وإطلاق الكيد على إحسان الله لقوم مع إرادة إلحاق السوء بهم إطلاق على وجه الاستعارة لمشابهته فعل الكائد من حيث تعجيل الإِحسان وتعقيبه بالإِساءة .