تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 46 من سورة القلم
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
إضراب آخر للانتقال إلى إبطال آخر من إبطال معاذيرهم في إعراضهم عن استجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم المبتدىء من قوله : { ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب } [ القلم : 3637 ] { أم لكم أيمان } [ القلم : 39 ] { أم لهم شركاء } [ القلم : 41 ] فإنه بعد أن نفى أن تكون لهم حجة تؤيد صلاح حالهم ، أو وعد لهم بإعطاء ما يرغبون ، أو أولياء ينصرونهم ، عطف الكلام إلى نفي أن يكون عليهم ضر في إجابة دعوة الإسلام ، استقصاء لقطع ما يُحتمل من المعاذير بافتراض أن الرسول صلى الله عليه وسلم سألهم أجراً على هديه إياهم ، فصدهم عن إجابته ثقل عزم المال على نفوسهم .
فالاستفهام الذي تؤذن به { أم } استفهامٌ إنكار لفرض أن يكون ذلك مما يخامر نفوسهم فرضاً اقتضاه استقراء نواياهم من مواقع الإِقبال على دعوة الخير والرشد .
والمَغْرَمُ : ما يفرض على المرء أداؤه من ماله لغيرِ عِوض ولا جناية .
والمُثْقَل : الذي حُمل عليه شيء ثقيل ، وهو هنا مجاز في الإِشفاق .
والفاء للتفريع والتسبب ، أي فيتسبب على ذلك أنك شققت عليهم فيكون ذلك اعتذاراً منهم عن عدم قبول ما تدعوهم إليه .
و { مِن مغرم } متعلق ب { مثقلون ، } و { من } ابتدائية ، وهو ابتداء مجازي بمعنى التعليل ، وتقديم المعمول على عامله للاهتمام بموجب المشقة قبل ذكرها مع الرعاية على الفاصلة .