تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 1 من سورة البروج
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) في افتتاح السورة بهذا القسم تشويق إلى ما يرد بعده وإشعار بأهمية المقسم عليه ، وهو مع ذلك يَلفت ألبابَ السّامعين إلى الأمور المقسم بها ، لأن بعضها من دلائل عظيم القدرة الإلهية المقتضية تفرد الله تعالى بالإلهية وإبطالَ الشريك ، وبعضها مذكِّر بيوم البعث الموعود ، ورمز إلى تحقيق وقوعه ، إذ القسم لا يكون إلا بشيء ثابت الوقوع وبعضها بما فيه من الإِبهام يوجِّه أنفُس السامعين إلى تطلب بيانه .
ومناسبةُ القسم لما أقسم عليه أن المقسم عليه تضمن العبرة بقصة أصحاب الأخدود ولما كانت الأخاديد خُطوطاً مجعولة في الأرض مستَعِرَة بالنار أقسم على ما تضمنها بالسماء بقيد صفة من صفاتها التي يلوح فيها للناظرين في نجومها ما سماه العرب بروجاً وهي تشبه دارات متلألئة بأنوار النجوم اللامعة الشبيهة بتلهب النار .
والقسم بالسماء بوصف ذات البروج يتضمن قسماً بالأمرين معاً لتلتفت أفكارُ المتدبرين إلى ما في هذه المخلوقات وهذه الأحوال من دلالة على عظيم القدرة وسعة العلم الإلهي إذ خلقها على تلك المقادير المضبوطة لينتفع بها الناس في مواقيت الأشهر والفصل . كما قال تعالى في نحو هذا : { ذلك لتعلموا أن اللَّه يعلم ما في السماوات وما في الأرض وأن اللَّه بكل شيء عليم } [ المائدة : 97 ] .